أمريكا – السابعة الإخبارية
آيفون.. في تطور مثير يلقي الضوء على تصاعد الهجمات السيبرانية الموجهة، كشفت وكالة “بلومبرج” مؤخرًا عن تعرّض عدد من هواتف آيفون الخاصة بمواطنين إيرانيين، داخل إيران وخارجها، لهجمات اختراق إلكتروني معقدة ومنظمة. التقرير أشار إلى أن هذه المحاولات وقعت في توقيت حساس، قبل اندلاع التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات متعددة حول الأطراف الضالعة في تلك العمليات.
آيفون: تحذيرات رسمية من آبل
وفقًا للتقرير، تلقى بعض المستخدمين المستهدفين في آيفون إشعارات أمنية مباشرة من شركة آبل، ضمن برنامجها المعروف باسم “إشعارات التهديد” (Threat Notifications)، وهو نظام أطلقته الشركة عام 2021 لمساعدة مستخدميها على اكتشاف ما إذا كانت أجهزتهم تتعرض لهجمات معقدة تقف وراءها كيانات مدعومة من حكومات.
تشير هذه الإشعارات عادةً إلى محاولات تجسس متقدمة تهدف إلى جمع معلومات حساسة أو التلاعب بالأجهزة الذكية مثل آيفون . وقد أكدت آبل للمستخدمين أن التنبيهات الصادرة عبر هذا البرنامج ليست عشوائية، بل تستند إلى تحليلات تقنية دقيقة، موضحة أن الأشخاص المستهدفين عادةً ما يكونون ناشطين سياسيًا أو إعلاميين أو يعملون في مناصب حكومية حساسة.

هجوم واسع النطاق؟
رغم أن عدد الحالات المعلنة لا يتعدى العشرات، فإن منظمات حقوقية نبهت إلى أن ما تم كشفه قد لا يمثل إلا “رأس جبل الجليد”، إذ ترجّح أن الهجوم أوسع بكثير مما يبدو، ويستهدف فئات محددة بناءً على مواقعهم الجغرافية أو نشاطهم الرقمي أو السياسي. وتشير هذه المنظمات إلى أن هناك نمطًا منهجيًا في عمليات الاستهداف، يثير مخاوف حقيقية بشأن خصوصية وأمن الأفراد في إيران وخارجها.

من يقف وراء الهجمات؟
السؤال الأبرز الذي طرحه التقرير هو: من الجهة المسؤولة عن هذه الحملة السيبرانية؟
أحد السيناريوهات المطروحة هو أن تكون هذه العمليات من تنفيذ إسرائيل أو الولايات المتحدة، أو ربما تعاون مشترك بينهما، في سياق صراع استخباراتي مستمر مع النظام الإيراني، لا سيما بالنظر إلى أن بعض المستهدفين يعملون في مناصب حكومية رسمية داخل إيران.
لكن الاحتمال الآخر – والأكثر إثارة للجدل – هو أن تكون الحكومة الإيرانية نفسها خلف هذه الهجمات. إذ أظهرت بعض الحالات أن الضحايا من المعارضين للنظام أو المقيمين في الخارج. وتملك إيران بالفعل تاريخًا طويلًا في مجال القرصنة الرقمية، عبر مجموعات إلكترونية مشهورة مثل “MuddyWater”، المرتبطة بجهاز المخابرات الإيراني، والتي طورت مؤخرًا برمجيات خبيثة تستهدف أنظمة أندرويد، من أبرزها “DCHSpy”، المصممة لسحب محتويات حساسة من التطبيقات وملفات الهاتف.
أدوات أبل في مواجهة الخطر
في ضوء التهديدات المتزايدة، دعت آبل المستخدمين إلى تفعيل ميزة “وضع القفل” (Lockdown Mode)، التي تم طرحها لأول مرة مع نظام iOS 16، وتُعد من أقوى أدوات الحماية ضد الهجمات السيبرانية المتطورة. يقوم هذا الوضع بتعطيل العديد من وظائف الهاتف التي يمكن استغلالها في الاختراق، مثل روابط الرسائل، المكالمات من أرقام غير معروفة، وملفات الوسائط، بالإضافة إلى تقييد بعض الخدمات التي قد تشكل ثغرات أمنية.
وقد أكدت الشركة أن وضع القفل يستهدف حالات استثنائية، ولا يُنصح باستخدامه إلا للأشخاص الذين يعتقدون أنهم تحت خطر حقيقي، لكنه يظل خيارًا ضروريًا في مثل هذه الحالات عالية الخطورة.
صراع مفتوح مع أدوات التجسس
جدير بالذكر أن شركة آبل سبق وأن دخلت في صراع قانوني ضد شركة NSO Group الإسرائيلية، المطورة لبرمجية “بيغاسوس” (Pegasus)، وهي واحدة من أخطر أدوات التجسس الرقمي في العالم. وبرغم أن آبل رفعت دعوى قضائية ضد الشركة، فإنها سُحبت لاحقًا دون الإفصاح عن الأسباب، ما أثار العديد من التساؤلات حول الضغوط السياسية أو التسويات المحتملة التي قد تكون أبرمت بعيدًا عن العلن.
ومع ذلك، تواصل آبل مساعيها لحماية مستخدميها، وتؤكد أن برامج الحماية التي تقدمها، سواء من خلال تحديثات الأمان أو عبر إشعارات التنبيه، تهدف إلى التصدي لهجمات لا تستهدف المستخدمين العاديين فقط، بل حتى النخب السياسية والعسكرية والنشطاء المؤثرين.
تهديدات تتجاوز الحدود
اللافت في تقرير بلومبرج أن الحملة السيبرانية لم تقتصر على المستخدمين داخل إيران فحسب، بل طالت أيضًا بعض الإيرانيين المقيمين في الخارج، ما يعكس طبيعة الهجمات العابرة للحدود، والتي لا تفرق بين الداخل والخارج في ظل صراع معلوماتي عالمي بات يعتمد بشكل متزايد على التجسس الرقمي كوسيلة للهيمنة والنفوذ.

مخاطر متزايدة ومراقبة مستمرة
في ظل تطور أدوات التجسس والتعقيد المتزايد في تقنيات الهجوم، يبقى المستخدم هو الحلقة الأضعف إذا لم يتخذ الاحتياطات اللازمة. ورغم جهود الشركات الكبرى مثل آبل، فإن الوعي الفردي لا يزال خط الدفاع الأول، خاصة في المناطق التي تشهد توترًا سياسيًا وأمنيًا.
ولعل هذه الحملة التي تم الكشف عنها مؤخرًا، تكون بمثابة جرس إنذار للمستخدمين والمؤسسات معًا، لتعزيز الحماية الرقمية واتخاذ التهديدات السيبرانية على محمل الجد.