مصر – السابعة الإخبارية
المتحف المصري.. في واحدة من أكثر اللحظات المنتظرة في المشهد الثقافي المصري والعالمي، تستعد القاهرة خلال ساعات لاستقبال حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، الحدث الذي يُعدّ تتويجًا لسنوات من العمل الدؤوب في مشروع هو الأضخم من نوعه على مستوى العالم في مجال المتاحف الأثرية.
لكن هذه المرة، لن يكون الحديث فقط عن التماثيل والمومياوات والمقتنيات الفرعونية، بل عن موسيقى تنبض بالحضارة المصرية القديمة، إذ سيشهد الحفل تقديم فقرات غنائية بلغة الفراعنة لأول مرة أمام الجمهور، في مشهد يمزج بين الأصالة والحداثة، ويعيد إلى الأذهان عبق التاريخ بروح فنية معاصرة.

كورال ضخم من 120 فنانًا يحيي الحفل بـ المتحف المصري
كشف أدهم عزت، قائد كورال حفل الافتتاح، في تصريحات خاصة لعدد من وسائل الإعلام، أن فريق الكورال بدأ استعداداته منذ منتصف العام الماضي، عقب عيد الأضحى مباشرة، حيث خضع الفنانون لتدريبات مكثفة استمرت لأشهر طويلة بمعدل من خمس إلى ثماني ساعات يوميًا، استعدادًا لتقديم عرض يليق باسم مصر أمام العالم.
ويضم الفريق أكثر من 120 فنانًا وموسيقيًا، من بينهم عدد من أعضاء دار الأوبرا المصرية وخريجو الكليات الموسيقية، بالإضافة إلى أصوات منفردة تم اختيارها بعناية بعد اختبارات دقيقة أشرف عليها المايسترو ناير ناجي، الذي تولى الإشراف العام على الجانب الموسيقي للحفل.
تجربة غنائية فريدة بالمصرية القديمة
أوضح عزت أن من أبرز ما يميز الحفل المنتظر هو تقديم أغنيات باللغة المصرية القديمة، وهو ما يمثل تجربة غير مسبوقة في المشهد الفني العربي والعالمي.
وأشار إلى أن أداء هذه الأغنيات تطلّب بحثًا دقيقًا في النطق الصحيح للكلمات القديمة، والتعاون مع مختصين في اللغويات والآثار لضمان خروج العمل بأقصى درجات الدقة، مؤكدًا أن “الفكرة ليست مجرد أداء موسيقي، بل هي رحلة في الزمن تعيد إحياء روح الحضارة المصرية القديمة من خلال الصوت والإحساس”.
تحديات وصعوبات في التحضير
ولم يخلُ طريق التحضير للحفل من العقبات، حيث واجه الفريق تأجيل موعد الافتتاح أكثر من مرة، وهو ما شكّل تحديًا نفسيًا وفنيًا كبيرًا.
يقول عزت: «كان علينا الحفاظ على الحماس رغم طول فترة التحضير، لكن دعم المايسترو ناير ناجي المستمر ومساندته لنا كاناسببًا رئيسيًا في تخطي هذه الصعوبات».
وأضاف أن الأجواء داخل الفريق اتسمت بروح التعاون والتفاني، إذ يدرك كل فرد أنه يشارك في حدث تاريخي يُعرض على أنظار العالم بأسره.

من “المومياوات” إلى “المتحف الكبير”
يُذكر أن معظم أعضاء الكورال سبق لهم المشاركة في حفلي نقل المومياوات الملكية وطريق الكباش، وهما الحدثان اللذان أثبتا قدرة الفنانين المصريين على تقديم عروض عالمية الطابع بطابع محلي أصيل.
ويؤكد عزت أن هذه الخبرات السابقة ساعدت الفريق على رفع مستوى الأداء في حفل المتحف المصري الكبير، مضيفًا أن التجربة الحالية أكثر شمولاً وتنوعًا من حيث الأسلوب الفني واللغوي، وتجمع بين العزف الأوركسترالي والموسيقى الإلكترونية والمقامات الشرقية القديمة.
الموسيقى… لغة تتجاوز الزمن
من جانبه، يرى المايسترو ناير ناجي أن الحفل يحمل بعدًا رمزيًا عميقًا، فالموسيقى هنا ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل جسر ثقافييربط بين الماضي والحاضر.
وأوضح أن اختيار اللغة المصرية القديمة جاء ليعكس فكرة التواصل مع الجذور، مؤكّدًا أن الموسيقى قادرة على نقل المشاعر الإنسانية حتى لو لم يفهم الجمهور الكلمات.
وقال ناجي في تصريحات سابقة: «عندما تُغنى الكلمات القديمة بأصوات مصرية معاصرة، فإنها تحيي أرواح الأجداد في لحظة احتفاءبالحضارة التي لا تموت».
فخر وطني ورسالة إلى العالم
أما عن المشاعر التي ترافق الفريق في هذه اللحظات، فقد عبّر قائد الكورال أدهم عزت عن إحساسه العميق بالفخر، قائلاً:
«كل عضو في الكورال يشعر بأنه جزء من التاريخ، فأن نغني للمتحف المصري الكبير يعني أننا نغني لمصر ذاتها، بكل حضارتها وعظمتها».
وأكد أن هذا الحفل ليس مجرد عرض موسيقي، بل احتفال عالمي يعكس وجه مصر الثقافي والحضاري والسياسي، مشيرًا إلى أن الفريق يتمنى أن يلمس الجمهور الجهد الكبير المبذول في التحضير، وأن يشعر بنفس الفخر الذي يشعر به الفنانون المشاركون.
الفن كقوة ناعمة
ويأتي هذا الحدث ليؤكد من جديد الدور المحوري للفن المصري كقوة ناعمة قادرة على التعبير عن الهوية الوطنية والتواصل مع العالم بأسلوب راقٍ ومؤثر.

فالمتحف المصري الكبير لا يُعد فقط مشروعًا أثريًا، بل هو منصة للثقافة والفنون، ومن خلال هذا الحفل تسعى مصر إلى إرسال رسالة للعالم مفادها أن الحضارة ليست ماضٍ يُعرض خلف الزجاج، بل حاضر يُغنّى ويُحتفى به.
ومع دقات الساعات الأخيرة قبل الافتتاح، يتجه أنظار الملايين في الداخل والخارج إلى الحدث، في انتظار ليلة فنية استثنائية تمزج بين الفن والتاريخ، وتُعيد تعريف معنى الانتماء للحضارة المصرية.
إنها ليلة سيُكتب فيها فصل جديد من قصة مصر… حين تتحدث الموسيقى بلغة الفراعنة، وينصت العالم بأسره لصوت التاريخ.
