الشارقة – السابعة الاخبارية
أطفال إماراتيون، في أروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025، حيث تنبض المعرفة بالحياة وتلتقي الكلمات بالأحلام، خطف ثلاثة أطفال إماراتيون الأنظار خلال جلسة ثرية حملت عنوان “الطفل الإماراتي: نماذج إبداعية”، نظّمها مركز دراسات الأسرة والطفل في جامعة الشارقة. كان المشهد حيًّا ودافئًا؛ أطفال يعتلون المنصة بثقة الكبار، ويتحدثون عن تجاربهم، طموحاتهم، وهواياتهم كما لو أنهم يرسمون طريقًا جديدًا لمفهوم الإبداع لدى الطفل الإماراتي.
لم تكن الجلسة مجرد حديث عابر، بل كانت منصة مُلهمة كشفت عن كيفية بناء طفل قوي، قارئ، صاحب هدف، وقادر على إسعاد نفسه ومن حوله. لقد جمع الأطفال الثلاثة بين الإبداع والشغف والانضباط، وقدموا نماذج عملية لكيف يمكن للدعم الأسري والبيئة الثقافية—مثل معرض الشارقة—أن يشكلا أسرارًا حقيقية لصناعة مستقبل مختلف.
أطفال إماراتيون… “شيخ السعادة” الذي يصنع الفرح كل يوم
يتصدر الطفل ماجد عمر الزدجالي قائمة الإلهام بابتسامته الواسعة ومبادرته اللافتة “شيخ السعادة”. يقف ماجد أمام الجمهور وهو طفل، لكن حديثه يحمل نبرة شخص يدرك تمامًا ماذا يريد أن يفعل: يريد أن يُسعد الناس.
يقول ماجد إن إسعاد الآخرين ليس عملًا عابرًا بالنسبة له، بل هو جزء من يومه، وشعور ينعكس عليه أولًا قبل أي شخص آخر. بدأ كل شيء عندما شارك في معرض “بوابة”، حيث أعاد إصلاح سيارة قديمة في المنزل ليستخدمها كوسيلة لنشر الفرح لأربعة أيام فقط. لم يكن يتوقع أن يتفاعل الناس معه بهذا الحجم، وعندما حدث ذلك… قرر أن يحوّل الأمر إلى عادة يومية.

يمارس ماجد هوايات مثل السباحة وركوب الخيل، والتي يراها أدوات لبناء ثقته بنفسه وتعزيز قوته الشخصية. وبينما يشرح طريقته في ترتيب أولوياته—الدراسة أولًا، ثم الهوايات—يؤكد أن القراءة كانت ولا تزال المفتاح الذي يفتح له أبوابًا جديدة نحو الحكمة والفهم والإبداع.
إنه يوجّه رسالة بسيطة وعميقة للأطفال: اقرؤوا… فإن كنتم تريدون نشر السعادة، فلا بد أن تمتلكوا معرفة تعينكم على ذلك.
شهد الكعبي… المخطِّطة الصغيرة وصاحبة الرحلات الكبرى
في الجلسة، تبرز أيضًا شخصية شهد سعيد الكعبي، الطفلة التي اكتشفت لنفسها دورًا غير معتاد بين أقرانها: التخطيط لرحلات العائلة. تبدو شهد كأنها تحمل حقيبة مليئة بالمواهب؛ فهي تحب السباحة، وتعشق القراءة، وتجرب الطبخ، لكن شغفها الحقيقي يتجلى عندما تُمسك بخريطة، وتتصفح الانترنت بحثًا عن الوجهات والأنشطة، وتضع جدولًا كاملًا لرحلة عائلية ناجحة.
تقول شهد إن الإخفاقات الصغيرة التي واجهتها في بعض الرحلات جعلتها أكثر مهارة ودقة، وإن التحديات لم تُضعفها، بل دفعتها إلى التحسن. وأكثر تجارب السفر سحرًا في حياتها كانت رحلتها إلى جنوب أفريقيا، حيث الطبيعة الساحرة، والحياة البرية، واللحظات التي زرعت في نفسها شجاعة القائد واستقلالية الشخصية.
من خلال حديثها، تفهم أن التخطيط بالنسبة لها ليس مجرد نشاط أسري، بل هو مدرسة تعلمت فيها الصبر، والدقة، واتخاذ القرار. وتؤمن شهد بأن الطفل يستطيع أن يحقق أحلامه إذا لم يستسلم، وإذا وجد دعمًا حقيقيًا من والديه، مثلما حدث معها تمامًا.
نورة الكعبي… فنانة، ممثلة، وطاهية… و”مديرة مالية” للعائلة
أما ثالث نجوم الجلسة، نورة سعيد الكعبي، فقد خطفت انتباه الحضور بجمعها بين الموهبة والروح العملية. فهي تمثل، وتطبخ، وتطمح إلى تعلم الرسم مستقبلًا، وقد قدمت ورشة أطفال داخل معرض الشارقة نفسه. لكنها لم تتوقف عند هذا الحد… فقد منحتها أسرتها ثقة استثنائية: إدارة ميزانية العائلة أثناء السفر.
تحكي نورة بابتسامة واثقة كيف تدوّن المصروفات، وتقارن الأسعار، وتساعد في اتخاذ قرارات مالية صغيرة لكنها مهمة. وبينما تمارس هذا الدور، تتعلم مهارات الحياة الحقيقية التي لا يتعلمها الكثير من الأطفال في سنّها.
تشدّد نورة على أهمية القراءة من جديد، وتقول إن تنظيم الوقت سرّها الأول للنجاح، وإن الدراسة تأتي في المرتبة الأولى دائمًا. أما حديثها أمام الآخرين—سواء في ورش العمل أو الأنشطة—فقد رفع من ثقتها بنفسها ومنحها جرأة الوقوف أمام الجمهور بلا خوف.
وتختم رسالتها للأطفال بكلمات دافئة:
“ابتسموا… الحياة جميلة. تعلّموا كل يوم شيئًا جديدًا، وستكبر ثقتكم بأنفسكم”.
معرض الشارقة… الحاضن الأكبر لإبداع الطفل الإماراتي
لم تكن هذه الجلسة لتنجح بهذا الزخم لولا احتضان معرض الشارقة الدولي للكتاب لهذه العقول الصغيرة. فالمعرض لا يعرض كتبًا فقط؛ إنه يفتح أبوابًا واسعة أمام الأطفال ليُظهروا إبداعهم، ويتعرفوا على قدراتهم، ويتعلموا من بعضهم.
لقد قدّم ماجد وشهد ونورة صورة مشرقة للجيل الإماراتي الجديد—جيل قارئ، وواعٍ، وموهوب، وقادر على تحمل المسؤولية منذ سن صغيرة. وما حدث في الجلسة ليس سوى انعكاس لرؤية ثقافية إماراتية تؤمن بأن الاستثمار في الطفل ليس خيارًا… بل هو أساس صناعة المستقبل.
في المعرض، وبين الرفوف والفعاليات وورش العمل، يجد الأطفال بيئة تصنع لهم ذاكرة جميلة، وتمنحهم فرصة للتعبير، وتعلمهم أن الإبداع ليس عمرًا… بل هو شغفٌ يُمارس.
خلاصة الإلهام
من مبادرة “شيخ السعادة”، إلى تخطيط الرحلات، إلى إدارة الميزانيات، يتضح أن الأطفال الإماراتيين الذين اعتلوا منصة معرض الشارقة ليسوا فقط أصحاب مواهب، بل أصحاب رؤية ورسائل ودروس حياتية يمكن للكبار قبل الصغار أن يستفيدوا منها.

لقد اتفق الثلاثة على عدة مفاتيح أساسية لبناء شخصية قوية:
- الثقة بالنفس
- حب القراءة
- ممارسة الهوايات
- تنظيم الوقت
- تجربة أشياء جديدة
- الاعتماد على دعم الوالدين
ومن خلال هذه المفاتيح، تُصنع شخصية الطفل الإماراتي… ويُبنى مستقبل يليق بأحلامه الكبيرة.
هذه ليست مجرد قصص أطفال، بل هي نماذج حقيقية لصناعة جيل مختلف… جيل يشبه الشارقة بثقافتها، ويشبه الإمارات بطموحها، ويشبه المستقبل بإشراقه.
