الإمارات – السابعة الإخبارية
في كل موسم من مواسم الهالوين، تزدحم الشاشات بأفلامٍ تمزج بين الإثارة والظلام والخيال، فتجذب الصغار بفضولهم الفطري لاكتشاف عوالم “الأشباح” و“البيوت المسكونة”.
لكنّ ما يبدو في الظاهر ترفيهًا بريئًا، قد يحمل في طيّاته تأثيرات نفسية عميقة تمتد إلى مراحل لاحقة من النمو، كما يحذّر خبراء علم النفس.

الخوف لا يُفلتر في عقول الأطفال
بحسب تقرير لموقع Marquette Wire، فإن أفلام الرعب الموجهة للأطفال – حتى تلك المصنفة ضمن الفئة العائلية (PG) – قد تزرع صورًا مزعجة في الذاكرة الطفولية يصعب محوها مع مرور الوقت.
ويشير التقرير إلى أعمال شهيرة مثل كورالاين (Coraline) وبيت الوحش (Monster House)، التي تخلط بين البراءة والرعب بطريقة تربك المتلقي الصغير الذي لا يملك بعد القدرة على التمييز بين الواقع والخيال.
توضح الأخصائية النفسية ناتالي سكانلون أن الأطفال لا يرون المشاهد المخيفة كتمثيل، بل يعيشونها كما لو كانت تهديدًا حقيقيًا.
فعندما يسمعون صرخات مفاجئة أو يرون وجوهًا مشوهة، يفرز جسدهم هرمونات التوتر كما في مواقف الخطر الواقعي، مما قد يؤدي إلى كوابيس، نوبات ذعر، أو حتى أعراض تشبه اضطراب ما بعد الصدمة.

الرعب الموجه للصغار… بين التشويق والخطر
لا تُرسم الحدود دائمًا بوضوح بين “التشويق الآمن” و“الرعب المؤذي”.
فبينما يسعى بعض المخرجين إلى إثارة الفضول بعناصر مظلمة، قد تتحول التجربة إلى مصدر دائم للقلق.
دراسة من جامعة ميشيغان أظهرت أن 25٪ من طلاب الجامعات ما زالوا يتذكرون مشاهد مرعبة من أفلام شاهدوها في طفولتهم، وبعضهم يعاني من اضطرابات نوم وقلق مزمن.
هذا يعني أن الخوف غير المعالج لا يختفي، بل يتكرر بأشكال مختلفة في مراحل لاحقة من الحياة.
ذاكرة الخوف أقوى من الترفيه
لا تكمن خطورة هذه الأفلام في مدتها أو تصنيفها، بل في الرسائل العاطفية غير المقصودة التي تُخزن في الوعي.
فعندما يربط الطفل الظلام أو المنزل أو الأم بشعورٍ دائم بالتهديد، يتشكل داخله مفهوم مشوّه للأمان.
ويمكن أن ينعكس ذلك على ثقته بالآخرين، أو تركيزه الدراسي، أو حتى استقراره النفسي.
يشير الخبراء إلى أهمية ما يسمّى بـ“الخاتمة الآمنة” في قصص الأطفال، أي لحظة طمأنة تبيّن أن الشر انتهى وأن الخطر لم يكن حقيقيًا.
لكن كثيرًا من أفلام الرعب الحديثة تترك النهاية مفتوحة، ما يُبقي الخوف معلقًا في اللاوعي.
مسؤولية الأسرة: حماية الوعي البصري
يؤكد علماء النفس أن دور الأهل لا يتوقف عند اختيار الفيلم، بل يجب أن يمتد إلى نقاش ما بعد المشاهدة.
الطفل يحتاج من يشرح له الرموز ويفصل بين الخيال والواقع بطريقة مبسطة.
كما يُنصح بعدم عرض محتوى مرعب قبل النوم أو أثناء العزلة، لأن الدماغ في تلك اللحظات يخزن الصور بقوة في الذاكرة طويلة الأمد.
بين المتعة والخطر… خيط رفيع
الخوف جزء من الفضول الإنساني، والأطفال يحبون “اللعب بالرعب” كوسيلة لاكتشاف شجاعتهم.
لكن عندما يتحول هذا اللعب إلى تجربة نفسية مربكة، يصبح التدخل واجبًا.
الحل ليس في المنع التام، بل في المشاركة الواعية — أن يجلس الأهل إلى جوار أطفالهم، يشرحون ويستمعون، ويحوّلون الفيلم إلى حوار حول الشجاعة والتعاطف والخيال.
فما يبدو مشهدًا ممتعًا للكبار، قد يكون كابوسًا حقيقيًا لطفلٍ صغير لا يعرف بعد أن الشرّ في الشاشة… ليس سوى تمثيل.

