أمريكا – السابعة الإخبارية
في ظهور لافت يُجسّد التمزق بين الهوية والانتماء، والحزن الإنساني العميق، أطلقت النجمة الأمريكية أنجلينا جولي، الحائزة على جائزة الأوسكار، سلسلة من التصريحات الجريئة خلال مشاركتها في مهرجان سان سيباستيان السينمائي بإسبانيا، حيث عرضت فيلمها الجديد Couture، والذي يُسلّط الضوء على قضايا إنسانية ذات طابع عالمي.
لكن ما لفت الأنظار لم يكن الفيلم فحسب، بل الموقف الصريح الذي عبّرت عنه جولي تجاه بلدها الولايات المتحدة الأمريكية، الذي شعرت بالغربة داخله، إلى جانب مواقفها المتواصلة من العدوان الإسرائيلي على غزة، والتي حملت هذه المرة نبرة حادة غير مسبوقة.

“أحب بلدي.. لكن لم أعد أعرفه”
خلال مؤتمر صحفي ضمن فعاليات المهرجان، وجّه أحد الصحفيين سؤالًا مباشرًا إلى جولي:“ما الذي تخشينه كفنانة أمريكية؟”
تنهدت أنجلينا جولي بعمق، ثم أجابت ببرود وتأمل:“إنه سؤال صعب للغاية… أحب بلدي، لكن في هذا الوقت، لا أعرفه”.
وأضافت في نبرة صادقة وصادمة في آنٍ واحد:“لطالما عشت في بيئة دولية، عائلتي دولية، أصدقائي، حياتي… نظرتي للعالم متساوية، موحّدة، لا تفرّق. أؤمن بأن أي شيء يُحدّ من التعبير الشخصي أو الحرية الإنسانية هو أمرٌ خطير”.
وأكدت أن هذه الفترة من التاريخ مليئة بالتحديات:”هذه أوقات عصيبة نعيشها معًا، ويجب أن نكون حذرين فيما نقوله، لأن لكل كلمة أثر، وكل موقف يمكن أن يُغيّر حياة شخص ما”.
تكريم فاطمة حسونة في كان: “أريد موتًا يسمعه العالم”
وفي موقف إنساني آخر، لم يغب عن ذاكرة جولي، أشادت النجمة العالمية بالمصورة الصحفية الفلسطينية فاطمة حسونة، التي استشهدت أثناء تغطيتها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك خلال مشاركتها في مهرجان كان السينمائي الأخير.
وقفت أنجلينا أمام الصحافة العالمية وقرأت بصوتٍ متهدّج كلمات فاطمة التي كتبتها قبل استشهادها:“أريد موتًا يسمعه العالم، وأثرًا يبقى على مر العصور، وصورًا خالدة لا يمحوها الزمان ولا المكان”.
تكريم جولي لفاطمة لم يكن مجرد لحظة عابرة، بل رسالة مباشرة إلى العالم الغربي: أن الإنسان الفلسطيني ليس مجرد رقم في قائمة الضحايا، بل هو روحٌ مبدعة وصوتٌ صادق يُراد له أن يُسكت.

غزة تحت النار: “العالم يتواطأ بالصمت والدعم”
وفي تعليق غاضب نشَرته أنجلينا جولي عبر حسابها الرسمي على منصة إنستغرام، شاركت صورة توثّق إحدى المجازر في جباليا شمال قطاع غزة، وكتبت أسفلها بيانًا مؤلمًا يعبّر عن حجم المأساة:”هذا هو القصف المتعمد للسكان المحاصرين، الذين لا يملكون مكانًا يفرّون إليه… لقد تحوّلت غزة من سجن مفتوح إلى مقبرة جماعية. 40% من الضحايا هم أطفال”.
وأضافت في نقدٍ مباشر للسياسات الدولية:”بينما تراقب حكومات كثيرة ما يجري بصمت – بل وببعض الأحيان بدعم نشط – يُعاقب ملايين الفلسطينيين جماعيًا. يُحرَمون من الغذاء، من الدواء، من أدنى حقوقهم الإنسانية، كل ذلك في تحدٍ سافر للقانون الدولي”.
وتابعت:”حين يرفض العالم المطالبة بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، ويمنع مجلس الأمن من اتخاذ موقف حازم، فإن القادة المتواطئين يصبحون شركاء في هذه الجرائم”.
أنجلينا جولي.. ما بين الفن والنضال الإنساني
ليست هذه المرة الأولى التي تتخذ فيها جولي مواقف سياسية أو إنسانية جريئة. فهي منذ سنوات طويلة تُعد سفيرة للنوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، وشاركت في مهام إنسانية بمناطق الأزمات مثل سوريا، اليمن، دارفور، أفغانستان، والكونغو.
لكن حديثها هذه المرة حمل نبرة جديدة – مزيج من المرارة من الداخل الأمريكي، والغضب من الظلم العالمي، والحزن الإنساني الصادق تجاه ما يجري في غزة.
ربما تعكس كلمات أنجلينا جولي اليوم شعور كثيرين في الغرب، ممن بدأت أصواتهم ترتفع ضد الازدواجية الأخلاقية، والكيل بمكيالين، عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان الفلسطيني.

هل تتحول هوليود إلى منصة ضمير؟
مع أن تصريحات المشاهير حول الشأن الفلسطيني كانت نادرة في الماضي، إلا أن تصريحات مثل تلك التي أدلت بها أنجلينا جولي قد تفتح الباب أمام تحول أكبر في وعي الرأي العام الغربي.
هي ليست فقط نجمة كبيرة، بل أيقونة عالمية تؤثر في الملايين. وربما هذه المرة، حين تضع اسمها إلى جانب غزة، وتستحضر وجع أم مثل فاطمة حسونة، فإنها تقول لنا جميعًا:“الإنسانية لا تحتاج إلى جواز سفر… بل إلى ضميرٍ حيّ.”