تركيا – السابعة الاخبارية
أوزان جوفين، بعد أكثر من خمس سنوات من الجدل، والتداول القضائي، والتغطية الإعلامية المكثفة، أُسدِل الستار أخيرًا على قضية الممثل التركي الشهير أوزان جوفين، بعدما أصدرت محكمة الاستئناف التركية قرارها النهائي بتأييد الحكم الصادر بحقه بالسجن لمدة عامين وثلاثة أشهر، بتهمة الاعتداء العمد بسلاح على حبيبته السابقة، خبيرة التواصل الاجتماعي دنيز بولوتسوز.
القرار، الذي جاء بعد سنوات من الأخذ والرد في المحاكم، أغلق فصلاً طويلًا من النزاع بين الطرفين، لكنه فتح في الوقت نفسه باب التساؤلات من جديد حول العدالة، وآلية تطبيق العقوبات في تركيا، لا سيما بعد الإعلان أن جوفين لن يقضي سوى 45 يومًا فعليًا خلف القضبان من أصل العقوبة الكاملة.
أوزان جوفين وتفاصيل القضية التي هزت الوسط الفني
تعود أحداث القضية إلى صيف عام 2020، حينما نشرت دنيز بولوتسوز عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من الصور والرسائل التي زعمت أنها توثّق تعرضها للعنف الجسدي والنفسي من قبل الممثل أوزان جوفين، خلال فترة علاقتهما العاطفية.
وقد أظهرت الصور كدمات واضحة على وجهها وجسدها، الأمر الذي أثار موجة غضب واسعة بين الجمهور التركي، ودفع العديد من الفنانين والنشطاء إلى المطالبة بوقف التعامل مع جوفين ومحاسبته قضائيًا.
وسرعان ما تقدمت بولوتسوز بشكوى رسمية إلى السلطات، ليفتح النائب العام تحقيقًا في الحادثة، وجاءت نتائج التحقيقات لتؤكد وقوع اعتداء فعلي، ليُحال جوفين إلى المحاكمة بتهمة “الاعتداء العمد بسلاح” — وهي تهمة خطيرة يعاقب عليها القانون التركي بالسجن لسنوات.
قرار المحكمة وتأكيد الحكم
بعد سلسلة طويلة من الجلسات التي شهدت تبادل الاتهامات وتقديم الأدلة والشهادات، قضت المحكمة في عام 2022 بحبس أوزان جوفين لمدة عامين وثلاثة أشهر، وهو حكم اعتبره البعض “رمزيًا” مقارنة بحجم الجريمة المزعومة.
وقد استأنف جوفين الحكم، لكن محكمة الاستئناف رفضت الطعن وأكدت العقوبة نفسها في أكتوبر 2025، معتبرة أن الأدلة المقدمة كافية لإثبات مسؤوليته عن الاعتداء، وأن الحكم الصادر في الدرجة الأولى يتناسب مع وقائع القضية.
لماذا سيقضي 45 يومًا فقط في السجن؟
رغم أن الحكم الرسمي يقضي بسجنه لمدة سنتين وثلاثة أشهر، فإن الممثل التركي سيقضي فعليًا 45 يومًا فقط خلف القضبان.
وقد أثار هذا القرار استغراب الرأي العام، إلا أن تفسيره يرتبط بنظام تنفيذ العقوبات التركي، الذي يتيح تخفيض مدة السجن في حالات معينة وفقًا لعدة معايير قانونية.
وفقًا للقانون التركي، فإن الأحكام التي تقل عن ثلاث سنوات غالبًا لا تُنفذ كاملة في السجن، بل يمكن استبدال جزء كبير منها بإجراءات الإفراج المشروط أو المراقبة القضائية، خصوصًا إذا لم يكن المتهم من أصحاب السوابق الجنائية.
وفي حالة جوفين، وبما أنه لم يُسجَن سابقًا، ولم يُدان في قضايا مشابهة، فقد شمله النظام المخفف للعقوبة، مما قلّص المدة الفعلية للسجن إلى شهر ونصف فقط، على أن يُستكمل باقي الحكم في صورة مراقبة منزلية وإشراف قضائي.
كما يُحتسب ضمن مدة العقوبة أي توقيف احتياطي سابق خضع له أثناء التحقيق، وهو ما قد يقلل أيضًا من الأيام الفعلية التي يقضيها في السجن.
نظام العدالة التركي تحت المجهر
إثارة الجدل حول مدة العقوبة ليست جديدة في تركيا، إذ تتكرر التساؤلات حول كيفية تطبيق القوانين المتعلقة بالعنف ضد المرأة، خاصة في ظل ما يعتبره البعض تساهلًا في العقوبات التي تصدر بحق المعتدين.
منظمات نسوية عدة عبّرت عن استيائها من الحكم المخفف بحق جوفين، معتبرة أنه يبعث رسالة سلبية حول الجدية في محاسبة المشاهير أو الأشخاص ذوي النفوذ الاجتماعي.
من جانب آخر، يرى قانونيون أن المحكمة التزمت حرفيًا بالقانون، وأن المدة المقررة للسجن لا يمكن تجاوزها طالما أن الجريمة لا تدخل ضمن فئة “الاعتداء الجسيم” الذي يهدد الحياة أو يتسبب بعاهة دائمة.
ويؤكد هؤلاء أن الهدف من النظام القضائي التركي هو إصلاح الجاني لا الانتقام منه، وأن القانون يشجع على تخفيف العقوبة في حال أبدى المتهم ندمًا أو التزم بالسلوك الجيد.
من نجم لامع إلى منبوذ
القضية لم تؤثر فقط على الوضع القانوني لأوزان جوفين، بل انعكست بقوة على مسيرته الفنية التي كانت مزدهرة قبل عام 2020.
فبعد انتشار صور الاعتداء، واجه الممثل حملة مقاطعة واسعة من الجمهور والشركات المنتجة، ما اضطره إلى الانسحاب من مسلسل “بابل” الذي كان يشارك في بطولته إلى جانب النجمين هاليت أرغنتش وأصلي إنفر.
كما تم إلغاء عقود دعائية كانت تربطه بعدد من الشركات، وتجميد مشاركته في أعمال درامية جديدة. ورغم محاولاته للعودة إلى الشاشة، إلا أن الأبواب أُغلقت أمامه تدريجيًا، خاصة بعد تجدد النقاش حول القضية كل فترة.
وفي عام 2024، تم استبعاده مجددًا من مشروع “سبعة أزواج لهُرمُز” بعد ضغط جماهيري كبير، ما جعله يعيش عزلة فنية شبه تامة.
الصمت سيد الموقف
حتى لحظة صدور الحكم النهائي، التزم أوزان جوفين الصمت الكامل، ولم يصدر عنه أي بيان أو تصريح عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرى متابعون أن هذا الصمت قد يكون استراتيجية دفاعية لتجنب أي خطأ إعلامي جديد قد يؤثر على صورته العامة أو يتسبب في فتح قضايا تشهير جديدة.
في المقابل، اكتفت دنيز بولوتسوز بالتعبير عن ارتياحها لقرار المحكمة، مؤكدة في تصريحات مقتضبة أن ما يهمها هو “إقرار العدالة ولو بعد سنوات”، وأضافت أنها ترغب في طي صفحة الماضي والمضي قدمًا في حياتها.
الانقسام في الشارع التركي
الشارع التركي انقسم بين مؤيد ومعارض للحكم. فبينما يرى البعض أن العقوبة عادلة ومنسجمة مع القانون، يعتبر آخرون أن ما حصل يُظهر ازدواجية في التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة عندما يكون المتهم شخصية مشهورة.
وعبّر كثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم من فكرة أن “الشهرة تمنح امتيازات قانونية غير معلنة”، مؤكدين أن الأحكام المخففة تُضعف ثقة النساء بالنظام القضائي.
وفي المقابل، رأى مؤيدو جوفين أن القضية تعرضت لـ”تضخيم إعلامي” وأن الحكم النهائي يمثل “إغلاقًا قانونيًا وعادلًا” بعد سنوات من التشهير والضغط الجماهيري، مشيرين إلى أن الفنان دفع ثمن الحادثة بالفعل بخسارته المهنية والاجتماعية.
تأثيرات دائمة على صورته الفنية
حتى وإن انتهى الملف قضائيًا، فإن الأثر النفسي والإعلامي سيبقى ملازمًا لأوزان جوفين لسنوات.
فالعديد من شركات الإنتاج والقنوات التركية تتردد في التعاون معه خوفًا من ردة الفعل الجماهيرية، بينما يرى النقاد أن عودته إلى الساحة الفنية باتت “صعبة إن لم تكن مستحيلة”.
وكان جوفين من أبرز نجوم جيله، واشتهر بدوره في مسلسلات شهيرة مثل “حريم السلطان” و**”في داخلي”**، حيث كان يحظى بإعجاب كبير بفضل حضوره القوي وأدائه المتقن.
لكن القضية حولته من نجم محبوب إلى شخصية مثيرة للجدل، وأصبح اسمه مرتبطًا بالعنف أكثر من الفن، مما أفقده كثيرًا من مكانته التي بناها على مدى أكثر من عقدين.
دروس ورسائل من القضية
قضية أوزان جوفين ليست مجرد واقعة فردية، بل تمثل نموذجًا مصغرًا لصراع المجتمع التركي مع قضايا العنف الأسري والجندري.
فهي تطرح أسئلة عميقة حول دور الإعلام في تشكيل الرأي العام، وحدود التدخل الشعبي في القضاء، وكذلك حول كيفية الموازنة بين العدالة القانونية والعدالة الاجتماعية.
ويرى محللون أن القضية يجب أن تكون جرس إنذار للفنانين والمشاهير، الذين يعيشون تحت مجهر الجمهور، بأن الشهرة لا تعني الحصانة، وأن الأخطاء الشخصية قد تُطيح بمسيرة ناجحة مهما كانت لامعة.
ختامًا: حكم قانوني… وعقوبة اجتماعية مستمرة
رغم أن أوزان جوفين سيقضي 45 يومًا فقط خلف القضبان وفقًا للنظام القضائي التركي، إلا أن عقوبته الاجتماعية تبدو أطول بكثير.
فهو اليوم يواجه عزلة مهنية، ونظرة مجتمعية قاسية، وإرثًا إعلاميًا يصعب تجاوزه بسهولة.
القضية أغلقت قانونيًا، لكن أثرها سيبقى حاضرًا في ذاكرة الجمهور التركي كواحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ الوسط الفني، وكدليل على أن العدالة، وإن تأخرت، قد تأتي على طريقتها الخاصة، لكنها لا تمحو تمامًا آثار ما حدث.