أبوظبي – السابعة الإخبارية
التصلّب.. في خطوة تُعد تحولاً نوعياً في المجال الطبي بالشرق الأوسط، أعلن مركز أبوظبي للخلايا الجذعية عن تطوير علاج مناعي متقدم لمرض التصلّب المتعدّد، مستنداً إلى منصة “ثيروكس” المتخصصة في العلاج بتقنية الفوتوفيريسيس. ويأتي هذا الإنجاز بعد اعتماده رسمياً من دائرة الصحة في أبوظبي، ليعزز مكانة الإمارات كمركز إقليمي للابتكار الطبي ويؤكد قدراتها المتنامية في مجالات الأبحاث العلاجية المتقدمة.
ويُعد هذا التطور تتويجاً لسلسلة من الأبحاث السريرية عالية الدقة، إذ تمكن المركز – وللمرة الأولى عالمياً – من استكمال أولى التجارب التي تُطبق تقنية التحسّس الضوئي خارج الجسم (ECP) لعلاج مرضى التصلّب المتعدّد. ويمثل هذا النجاح نقطة تحول مهمة في التعامل مع هذا المرض العصبي المزمن، الذي يهاجم الجهاز المناعي فيه الجهاز العصبي المركزي، مسبباً اضطرابات تؤثر في الحركة والتوازن والنطق، ما يجعل إيجاد علاجات فعّالة ضرورة مُلحّة للحد من تطور المرض وتأثيراته السريرية.

توسيع نطاق استخدام تقنية التحسّس الضوئي خارج الجسم
تقنية الـECP ليست جديدة في عالم الطب، إذ تم استخدامها سابقاً في معالجة حالات مثل داء الطعم حيال المضيف وسرطان الخلايا التائية بالجلد. غير أن الجديد في مبادرة مركز أبوظبي للخلايا الجذعية هو توسيع نطاق استخدام هذه التقنية لتشمل اضطرابات المناعة العصبية، وعلى رأسها التصلّب المتعدّد، في خطوة تُعد الأولى من نوعها عالمياً.
تعتمد هذه التقنية على سحب خلايا الدم البيضاء من جسم المريض، ثم إخضاعها لعملية تنشيط ضوئي خارج الجسم، قبل إعادة ضخها إليه. ويسهم هذا الإجراء في إعادة ضبط الجهاز المناعي وتخفيف حدة الاستجابات المناعية الخاطئة التي تُهاجم الجهاز العصبي. ووفقاً للخبراء في المركز، فإن هذا الأسلوب العلاجي قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاجات التي تستهدف جذور المرض، وليس فقط التخفيف من أعراضه الظاهرة.
نتائج أولية تبشر بالنجاح
التجارب السريرية التي اكتملت حديثاً أظهرت مؤشرات إيجابية مبشرة، خصوصاً لدى المرضى الذين لم تعد العلاجات التقليدية توفر لهم الاستجابة المطلوبة. فقد لوحظ لدى عدد من المشاركين استقرار في تطور المرض، إلى جانب تحسّن في بعض الأعراض، ما يعزز الآمال بإمكانية الاعتماد على هذه التقنية كخيار علاجي فعّال خلال الأعوام المقبلة.
ويؤكد الباحثون أن نجاح التجربة لا يعني الاستغناء عن العلاجات الحالية، بل يمثل إضافة نوعية لمنظومة علاجية متكاملة يمكن تخصيصها وفق حالة كل مريض. كما يشددون على أن المرحلة المقبلة ستتضمن توسيع نطاق الدراسات السريرية لتشمل شرائح أكبر من المرضى بهدف تقييم فاعلية العلاج على المدى الطويل.

دعم دولي للبحوث الإماراتية
هذا التقدم العلمي لم يكن ليصل إلى هذه المرحلة من النجاح لولا الدعم الدولي، وعلى رأسه الجمعية الوطنية للتصلّب المتعدّد (NMSS)، التي قدمت تمويلاً مهماً لتسريع وتوسيع نطاق البحث. ويعكس هذا التعاون ثقة المؤسسات العالمية في القدرات البحثية لدولة الإمارات ومراكزها الطبية المتقدمة.
ومن خلال برامج المنح البحثية التي توفرها المنظمة، واصلت الجمعية دعم دراسات محورية مثل دراسة PHOMS، التي تهدف إلى تعزيز الفهم العلمي للحالات العصبية المرتبطة بالتصلّب المتعدّد. ويمثل هذا التعاون نموذجاً يحتذى به في توحيد جهود المؤسسات البحثية الدولية والإقليمية من أجل إيجاد علاجات أكثر فاعلية للمرضى حول العالم.
دور الإمارات في ريادة الابتكار الطبي
إن اعتماد العلاج الجديد في أبوظبي يشير إلى رؤية واضحة تتبناها دولة الإمارات لتعزيز قطاع العلوم الطبية وتحويله إلى رافد أساسي ضمن منظومة التنمية المستقبلية. ويأتي هذا الإنجاز امتداداً لجهود سابقة قامت بها المؤسسات الصحية في الدولة لتوفير أحدث التقنيات العلاجية وجذب الخبرات العالمية، مما جعل الإمارات مركزاً إقليمياً للأبحاث المتقدمة في مجالات الطب الحيوي.
ويؤكد المتخصصون أن هذه الخطوات ليست مجرد إنجازات محلية، بل تمثل مساهمات علمية يمكن أن تغير مستقبل العلاج لمرضى التصلّب المتعدّد على مستوى العالم، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها المرض وصعوبة إيجاد علاجات نهائية له حتى الآن.

يمثل إعلان مركز أبوظبي للخلايا الجذعية عن تطوير علاج مناعي متقدم لمرض التصلّب المتعدّد قفزة نوعية في مسار الرعاية الصحية بالمنطقة. فالتجربة الناجحة لتقنية التحسّس الضوئي خارج الجسم تشكل نافذة أمل جديدة للمرضى الذين لم يجدوا استجابة من العلاجات التقليدية، وتعكس في الوقت نفسه قدرة الإمارات على تقديم حلول مبتكرة تُسهم في تحسين جودة الحياة وتحقيق تقدم ملموس في مجال الطب العلاجي.
