تركيا – السابعة الاخبارية
إنجين تشاغلار، في مشهد مؤلم هزّ الوسط الفني التركي والجمهور العريض الذي تربى على أفلامه الكلاسيكية، ودّعت تركيا اليوم الأحد 2 نوفمبر 2025، الفنان الكبير إنجين تشاغلار، أحد أكثر نجوم السينما التركية شهرةً وجاذبية، الذي رحل عن عمر ناهز الثمانين عامًا إثر حادث سير مأساوي في قلب مدينة إسطنبول.
رحيل مفاجئ لنجمٍ صنع جيلاً كاملاً من الذكريات، وترك وراءه رصيدًا ضخمًا من الأعمال التي شكلت وجدان السينما التركية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
إنجين تشاغلار يرحل.. تفاصيل الحادث الذي أنهى حياته
كشفت الصحافية التركية ديليك يامان دمير عبر قناة Ekol TV عن تفاصيل الحادث الذي أودى بحياة النجم القدير.
ففي مساء يوم السبت، وأثناء عبور إنجين تشاغلار أحد الشوارع الحيوية في منطقة شيشلي بإسطنبول، صدمته دراجة نارية مسرعة لم يتمكن سائقها من تفاديه بسبب انزلاق الطريق جراء الأمطار الخفيفة التي شهدتها المدينة.
ورغم نقله بسرعة إلى المستشفى القريب من موقع الحادث، فإن الأطباء أعلنوا وفاته بعد محاولات إنعاش لم تدم أكثر من نصف ساعة.
وأكدت التقارير الطبية أن النجم الراحل تعرّض لإصابات بالغة في الرأس والصدر أدت إلى توقف وظائفه الحيوية فورًا تقريبًا.

دموع في الوسط الفني التركي
الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم بين وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في تركيا والعالم العربي، أثار موجة من الحزن والصدمة في أوساط محبي السينما التركية.
فقد نعاه فنانون من أجيال مختلفة بكلمات مؤثرة، مؤكدين أن إنجين تشاغلار لم يكن مجرد ممثل وسيم أو نجم شباك، بل كان رمزًا لفترة ذهبية من تاريخ السينما التركية، عندما كانت الأفلام تُصنع بشغفٍ وبساطة وتلامس مشاعر الناس.
الفنانة المخضرمة توركان شوراي، التي شاركته البطولة في عدد من أفلامه الرومانسية الشهيرة، كتبت عبر حسابها الرسمي على منصة “إكس”:
“إنجين لم يكن زميلاً فحسب، بل كان صديقًا نبيلاً ورجلًا راقيًا أمام الكاميرا وخلفها. رحيله يترك فراغًا كبيرًا في قلوبنا.”
كما عبّر المخرج التركي الكبير يلماز غوني (الذي تعاون معه في بداياته الفنية) في تصريح تلفزيوني قديم كان يُعاد تداوله بكثافة بعد وفاته، عن إعجابه بشخصية إنجين قائلًا:
“كان يملك حضورًا يجعل الكاميرا تحبه من اللحظة الأولى. قليلون هم من يملكون هذه الهالة.”
جنازة مهيبة في إسطنبول لوداع إنجين تشاغلار
أعلنت مؤسسة “فيلم-سان”، التي كان الراحل من أبرز مؤسسيها، أن الجنازة ستُقام في جامع شيشلي المركزي عقب صلاة الظهر اليوم الأحد، بمشاركة حشد من الفنانين والمخرجين والسياسيين ومحبي النجم الراحل.
وتقرر أن يُوارى جثمانه الثرى في مقبرة زنجيرلي قويو الشهيرة، حيث يرقد عدد من رموز الفن التركي.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، توافد المئات من محبيه إلى ساحة الجامع، حاملين الورود وصورًا لأفيشات أفلامه القديمة، في مشهد مؤثر يجسّد مكانته في قلوب الناس.
كما أعلنت بلدية إسطنبول أنها ستُطلق اسم إنجين تشاغلار على أحد شوارع حي شيشلي تخليدًا لذكراه.
من هو إنجين تشاغلار؟
اسمه الحقيقي تشاغلان أوفيت، وُلد في مدينة إسطنبول عام 1945، وتخرّج في كلية الاقتصاد بجامعة إسطنبول، لكنه سرعان ما انجذب إلى عالم الفن والسينما.
كانت بدايته في عالم التمثيل خلال النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، حين شارك في عدد من الأفلام الصغيرة التي كشفت عن وسامته اللافتة وحضوره القوي أمام الكاميرا.
لكن الانطلاقة الحقيقية جاءت مع فيلمه الشهير “العطشى للحب” عام 1968، الذي رسّخ مكانته كواحد من “الجانات” البارزين في السينما التركية، إلى جانب أسماء مثل كارتال تيبت، وتارجان، وإدريس كورت.
إنجين تشاغلار.. رمز الأناقة والرومانسية على الشاشة
تميّز إنجين تشاغلار بأسلوب تمثيلي يجمع بين الرومانسية الهادئة والكاريزما الرجولية، فكان نجمًا محبوبًا لدى النساء والرجال على حد سواء.
ظهر في أفلام تركية صارت اليوم من كلاسيكيات السينما مثل:
- “ذو اللسان العذب” (1972)
- “الرجل الوحيد” (1974)
- “الحب المستحيل”
- “القلب لا يكذب”
- وقد شكّل مع النجمة توركان شوراي ثنائيًا سينمائيًا أسطوريًا جعل الملايين يتابعون أفلامهما بشغف، لما كان بينهما من انسجام فني وصدق عاطفي أمام الكاميرا.
كانت ملامحه الأوروبية وابتسامته الهادئة سببًا في اختياره لأدوار “العاشق النبيل” و”الرجل المثالي”، لكنه حاول كسر تلك الصورة النمطية في بعض أفلامه الدرامية التي تناولت قضايا اجتماعية وسياسية جريئة في السبعينيات.
من التمثيل إلى الإنتاج.. رحلة إنجين تشاغلار خلف الكاميرا
في أواخر الثمانينيات، ومع تراجع زخم السينما التركية التقليدية أمام الدراما التلفزيونية، قرر إنجين تشاغلار التحول إلى العمل الإنتاجي والإداري، مؤمنًا بضرورة الحفاظ على هوية السينما التركية ودعم المواهب الشابة.
ساهم في تأسيس مؤسسة “فيلم-سان” التي هدفت إلى حماية حقوق الفنانين وتنظيم صناعة السينما.
كما شغل مناصب قيادية في عدد من النقابات الفنية، وظل طوال حياته من أبرز الأصوات المطالبة بتطوير البنية التحتية للسينما وتحديث التشريعات الثقافية في تركيا.
في مقابلة نادرة عام 2015، قال الراحل:
“الفن لا يعيش بالشهرة فقط، بل بالمسؤولية تجاه الجيل القادم. إن لم نفتح لهم الطريق، سيُغلق المسرح ويصمت الفيلم.”
إنجين تشاغلار والدراما التلفزيونية
رغم أن مجده الأكبر تحقق في السينما، فإن إنجين تشاغلار شارك في عدد محدود من المسلسلات الدرامية في التسعينيات، أبرزها:
- “زهور إسطنبول”
- “خطايا الليل”
- “الوجه الآخر”
وقد كانت تلك الأعمال بمثابة عودة مؤقتة لعلاقته مع جمهوره الذي لم ينسه رغم مرور السنوات.
وبحسب نقاد أتراك، فإن حضوره في تلك المسلسلات أعطى طابعًا خاصًا للدراما التركية في بدايات انتشارها عربياً، إذ ساهم في ترسيخ الصورة الكلاسيكية للرجل التركي الأنيق والعاطفي التي أصبحت لاحقًا سمة لأبطال المسلسلات الحديثة.
إنجين تشاغلار في ذاكرة الجمهور العربي
على الرغم من أن أعماله لم تُدبلج إلى العربية في زمنها، إلا أن اسم إنجين تشاغلار عاد إلى الواجهة في السنوات الأخيرة بفضل القنوات التي عرضت أفلامه القديمة مترجمة.
كما تعرّف الجيل الجديد من عشاق الدراما التركية عليه عبر منصات التواصل التي تداولت مقاطع من أفلامه الرومانسية بالأبيض والأسود، مصحوبة بتعليقات من نوع:
“قبل كيفانش تاتليتوغ، كان هناك إنجين تشاغلار.”
ولم يكن غريبًا أن تنتشر صورته على مواقع التواصل العربية بعد إعلان وفاته، مرفقة بعبارات الحنين والاحترام لفنانٍ يمثل زمنًا ذهبيًا في السينما التركية.
حياة شخصية هادئة بعيدًا عن الأضواء
على عكس كثير من نجوم جيله، حافظ إنجين تشاغلار على حياته الخاصة بعيدًا عن الصخب الإعلامي.
تزوج في منتصف السبعينيات من سيدة تركية من خارج الوسط الفني، وأنجب منها ابنين، أحدهما يعمل مهندسًا معماريًا، والآخر مخرجًا سينمائيًا شابًا.
عرف عنه عشقه للبحر وولعه بالتصوير الفوتوغرافي، حيث كان يقضي ساعات طويلة في التقاط صور للطبيعة والسفن في مضيق البوسفور.
كان يقول دائمًا:
“الفن مثل البحر، لا يمكنك أن تسيطر عليه، عليك فقط أن تتعلم السباحة فيه دون خوف.”
إرث فني خالد
بوفاته، يُسدل الستار على فصلٍ مهم من تاريخ السينما التركية.
لكن إرث إنجين تشاغلار سيظل حاضرًا في ذاكرة عشاق الفن السابع، ليس فقط عبر أفلامه، بل عبر القيم التي حملها — من الالتزام والجمال والرقي الإنساني.
لقد مثّل نموذجًا للفنان المتكامل الذي جمع بين الموهبة والثقافة والمسؤولية الاجتماعية.
وكما قال أحد النقاد الأتراك في نعيه:
“إنجين تشاغلار لم يكن مجرد ممثل. كان مرآة لتركيا الجميلة التي كانت تحلم بالحب والنقاء في زمنٍ أقل ضجيجًا وأكثر صدقًا.”

الوداع الأخير
في ظهيرة هذا اليوم، وبين دموع زملائه ومحبيه، وُضع جثمان إنجين تشاغلار في نعشٍ بسيط مغطى بالعلم التركي وصور من أفلامه القديمة.
ومع انتهاء صلاة الجنازة، ارتفعت الدعوات والورود في وداع رجلٍ ترك أثرًا لا يُمحى في الذاكرة الفنية.
رحل إنجين تشاغلار جسدًا، لكنه سيبقى خالدًا في كل مشهد حب صادق، وكل لقطة بالأبيض والأسود تُعيدنا إلى زمنٍ كانت فيه السينما التركية أكثر دفئًا وإنسانية.
