أمريكا – السابعة الإخبارية
غروكيبيديا.. يبدو أن إيلون ماسك، الملياردير المثير للجدل وصاحب البصمة الأبرز في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، قد قرر خوض معركة جديدة، وهذه المرة مع واحدة من أقدم وأشهر موسوعات الإنترنت: ويكيبيديا. إذ أعلن، الثلاثاء، عن نيته إطلاق منصة جديدة تحمل اسم “غروكيبيديا” عبر شركته الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي xAI، لتكون بديلًا يُنافس ويكيبيديا، التي اتهمها مرارًا بالتحيّز السياسي والتلاعب بالمحتوى.
مشروع جديد في سلسلة صدامات ماسك
وجاء الإعلان في منشور له عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، التي يملكها ماسك أيضًا، حيث أشار إلى أن “غروكيبيديا ستكون بمثابة تطور نوعي وتحسين جذري عن ويكيبيديا التقليدية”. وأضاف أن الخدمة الجديدة ستعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي تطورها شركته، لكنها ستكون أيضًا “أقرب إلى الحقيقة” حسب وصفه.
ماسك لطالما انتقد ويكيبيديا، متهمًا إياها بـ”الانحياز اليساري”، وبتحريف الحقائق لخدمة أجندات سياسية معينة. ويعتقد أن اعتماد الموسوعة الحرة على مساهمات المتطوعين غير الخاضعين للرقابة يفتح الباب للتلاعب بالمحتوى، خصوصًا في القضايا السياسية والاجتماعية الحساسة.

ما هو “غروك”… ومن أين جاء اسم “غروكيبيديا”؟
الاسم الجديد للموقع – “غروكيبيديا” – مستمد من روبوت الدردشة الذكي “غروك” الذي أطلقته شركة xAI في وقت سابق. يُقدَّم غروك كمساعد افتراضي “يسعى وراء الحقيقة بلا تحفّظ”، بحسب تعبير ماسك، ويُستخدم في تحليل البيانات، توليد النصوص، والإجابة على الاستفسارات المعقدة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
غير أن “غروك” لم يكن بمنأى عن الجدل، إذ واجه مؤخرًا اتهامات بإصدار تعليقات معادية للسامية، الأمر الذي أرجعته شركة ماسك إلى “أخطاء برمجية” تم تصحيحها لاحقًا. مع ذلك، تساءل كثيرون حول مدى حيادية النظام، خاصة وأنه يُروّج على أنه بديل أكثر موضوعية من الأنظمة الحالية.
تحالف سياسي-تكنولوجي؟
الخطوة الأخيرة لماسك تأتي في وقت يتزايد فيه تقاربه مع دوائر اليمين الأمريكي، حيث بات يعبر بشكل علني عن مواقفه السياسية، ويمنح منابره الإعلامية للأصوات المحافظة. ويُذكر أن ديفيد ساكس، وهو من حلفاء ماسك المقربين، عُيّن مؤخرًا من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب في لجنة الرقابة على الذكاء الاصطناعي، وكان قد هاجم بشدة استخدام محتوى ويكيبيديا في تدريب النماذج اللغوية للذكاء الاصطناعي، وهو الأمر الذي تزامن مع إعلان ماسك عن مشروعه الجديد.
هذه الخلفية تُثير تساؤلات جدّية حول ما إذا كان “غروكيبيديا” ستحافظ على الحياد الذي تدّعيه، أم ستكون مجرد موسوعة بديلة بأجندة مضادة؟
مستقبل المحتوى المفتوح… في مهب التكنولوجيا؟
منذ إنشائها عام 2001، لعبت ويكيبيديا دورًا محوريًا في جعل المعرفة متاحة للجميع بشكل مجاني، واستطاعت أن تفرض نفسها كمرجع سريع يعتمد عليه المستخدمون في مختلف أنحاء العالم. غير أن الموقع تعرض، في السنوات الأخيرة، لانتقادات بشأن موثوقية المعلومات، الحياد، والمصادر المستخدمة، ما جعل البعض يطالب بإيجاد نماذج بديلة أكثر دقة وشفافية.
وهنا تأتي مبادرة ماسك لتعيد فتح النقاش حول مستقبل الموسوعات الرقمية: هل يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث ثورة في طريقة إنتاج المعلومات وتصنيفها؟ أم أن إدخال التكنولوجيا في هذا المجال قد يؤدي إلى انحرافات جديدة تحت ستار “الذكاء” والموضوعية”؟

التحدي الحقيقي: بناء الثقة
رغم ما يملكه ماسك من قدرات تمويلية وتقنية، فإن نجاح “غروكيبيديا” لن يتوقف على التكنولوجيا وحدها، بل على مدى قدرتها على بناء ثقة المستخدمين، وضمان الشفافية في إدارة المحتوى، وتوضيح آليات التحرير والمراجعة.
في المقابل، لا تزال ويكيبيديا تملك قاعدة مستخدمين هائلة، وشبكة واسعة من المحررين المتطوعين، وخبرة تمتد لأكثر من عقدين في تقديم محتوى معرفي متنوع. وهو ما يجعل المواجهة القادمة بين “غروكيبيديا” و”ويكيبيديا” أشبه بصدام بين مدرستين: المعرفة التشاركية البشرية مقابل الذكاء الاصطناعي المُوجّه.
قد يكون “غروكيبيديا” مشروعًا طموحًا آخر من مشاريع ماسك المتعددة، لكنه بلا شك يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول مستقبل المعرفة، والحياد في عصر الذكاء الاصطناعي، ودور التكنولوجيا في إعادة صياغة الحقيقة.
يبقى السؤال المطروح: هل العالم بحاجة إلى موسوعة جديدة؟ أم إلى طرق جديدة لحماية وتطوير الموسوعات القائمة؟
