سوريا – السابعة الاخبارية
إيمان الغوري، ودّعت الساحة الفنية السورية مساء الاثنين، 18 أغسطس 2025، واحدة من أيقوناتها المؤثرة، برحيل الفنانة إيمان الغوري عن عمر ناهز 58 عامًا، بعد مسيرة امتدت لعقود في المسرح والدراما السورية، تاركة أثرًا خالدًا في قلوب محبيها، وذكرى طيبة ستظل حاضرة في وجدان كل من تابع أعمالها.
الراحلة التي عُرفت بابتسامتها الهادئة وأدائها الصادق، فارقت الحياة بهدوء يشبه ملامح أدوارها، وسط حالة من الحزن في الأوساط الفنية والجماهيرية، خاصةً بعد أن غابت لسنوات عن الشاشة، لكنها لم تغب يومًا عن ذاكرة الجمهور.
إيمان الغوري… رحيل “خيرو”صوت الزمن الأصيل
شيّعت مدينة حلب، صباح الثلاثاء 19 أغسطس، جثمان الفنانة إيمان الغوري إلى مثواها الأخير، حيث أُقيمت صلاة الجنازة عليها بعد صلاة العصر في جامع الروضة، ووري جثمانها الثرى في المقبرة الإسلامية الحديثة، وسط حضور من أفراد العائلة وزملائها ومحبيها، في وداع مؤثر يعكس قيمة ما قدمته خلال حياتها.
وقد أعلنت عائلة الفقيدة عن تقبّل العزاء في مسجد أبي حنيفة النعمان بحي الشهباء الجديدة، في حلب، للرجال يومي الثلاثاء والأربعاء، في حين دعت النساء إلى تقديم واجب العزاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، احترامًا للخصوصية.
“خيرو”.. أيقونة من زمن التسعينيات
رغم تعدد أدوارها وتنوعها، يبقى اسم إيمان الغوري مقترنًا بشكل وثيق بشخصية “خيرو”، التي أدتها ببراعة ملفتة في المسلسل الشهير “أحلام أبو الهنا”، إلى جانب عملاقي الشاشة السورية دريد لحام وسامية الجزائري. هذه الشخصية الطيبة، البسيطة، المخلصة، التي تمثل طبقةً اجتماعية مهمّشة، أثبتت أن الأدوار الثانوية يمكن أن تتحول إلى علامات فارقة إذا ما توافرت لها الموهبة والصدق.
“خيرو” لم تكن مجرّد شخصية على ورق، بل كانت امتدادًا لصوت المهمّشين في المجتمع، ونافذةً لضحكة نابعة من الألم، فاحتلت مكانة خاصة في قلوب المشاهدين، وما زال الجمهور يستحضر جملها وتعبيراتها حتى بعد أكثر من ثلاثين عامًا على عرض المسلسل لأول مرة.
دراما متنوعة وظهور مميز
إلى جانب “أحلام أبو الهنا”، شاركت إيمان الغوري في عدد من المسلسلات التي لاقت اهتمامًا كبيرًا في الساحة الفنية السورية والعربية، أبرزها “خان الحرير” و**”باب الحديد”** و**”شو حكينا”**، حيث التقت مرة أخرى بالفنانة سامية الجزائري، لتقدما معًا ثنائيًا تميز بخفة الظل والتناغم الفني.
وبرزت قدرتها على التنقل بين الشخصيات الكوميدية والتراجيدية بسلاسة، رغم أنها لم تُمنح دائمًا مساحات البطولة الأولى، لكنها أظهرت حضورًا لافتًا في كل ظهور، مستندة إلى خلفية ثقافية وفنية عميقة، وتجربة مسرحية متينة كانت الأساس في بناء شخصيتها الفنية.
بداية مبكرة من خشبة المسرح
ولدت إيمان الغوري في مدينة حلب عام 1967، وأظهرت اهتمامًا بالفن منذ سن صغيرة. بدأت مسيرتها الفنية في عمر الرابعة عشرة من خلال خشبة المسرح، حين شاركت في مسرحية من تأليف الكاتب فرحان بلبل بعنوان “لا ترهب حد السيف”، وكانت تلك المشاركة بمثابة الشرارة التي أشعلت شغفها بعالم التمثيل.
ورغم عدم التحاقها بالمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وهو ما كان حلمها الأول، إلا أن عزيمتها دفعتها إلى مواصلة السعي، حيث حصلت في عام 1993 على منحة دراسية من الحكومة السورية لدراسة التمثيل في موسكو. هناك، نالت دبلومًا في التمثيل السينمائي من معهد السينما الحكومي الروسي، وهي تجربة ساعدتها على صقل أدواتها والعودة إلى بلدها بفكرٍ جديد وطموح فني أوسع.
الانسحاب من الضوء والعودة الجزئية
في عام 2001، وبعد مسيرة ناجحة في الدراما السورية، اتخذت إيمان الغوري قرارًا مفاجئًا باعتزال التمثيل والتفرغ لحياتها العائلية، خاصة بعد إنجابها ابنها الوحيد ورد. وقد اعتُبر هذا القرار خسارة كبيرة للدراما السورية، لا سيما وأنها كانت في أوج عطائها الفني.
لكن حبّها للفن لم يخمد تمامًا، إذ عادت عام 2012 لتشارك في مسلسل “الجذور تبقى خضراء”، محاولةً التوازن بين التزاماتها الأسرية وشغفها بالفن، إلا أن هذه العودة لم تكن طويلة، إذ لم تُكمل مسيرتها بشكل منتظم بعد ذلك، وفضّلت البقاء بعيدًا عن عدسات الكاميرا، مكتفيةً بالمتابعة من بعيد.
وكانت الصحف قد تحدثت لاحقًا عن احتمال مشاركتها في مسلسل “روزانا”، غير أنها اعتذرت عن الدور، معتبرةً أن النص لم يلبِّ طموحها الفني، لتؤكد مرة أخرى تمسّكها بالمستوى الفني الذي عرفت به، ورفضها الظهور لمجرد الحضور.
إنسانة قبل أن تكون فنانة
لم تكن إيمان الغوري فنانة موهوبة فقط، بل عُرفت في الوسط الفني بدماثة خلقها وتواضعها واحترامها لزملائها، فجمعت بين البساطة والصدق، وكان كل من عرفها يتحدث عن طيبتها وأخلاقها العالية. لم تسعَ يومًا إلى تصدّر العناوين أو افتعال الجدل، بل كانت تسير في دربها الفني بهدوء وثبات، تاركةً بصمتها في كل عمل شاركت فيه.
إرث فني وإنساني خالد
برحيل إيمان الغوري، تخسر الدراما السورية واحدة من وجوهها الأليفة والمحبوبة، التي كانت تمثل جيلاً صادقًا من الفنانين الذين دخلوا القلوب بلا ضجيج. صحيح أن الغوري لم تكن حاضرة بكثافة في السنوات الأخيرة، لكنها بقيت حيّة في ذاكرة الجمهور، التي لم تنسَ “خيرو”، ولن تنساها.
في زمنٍ تعصف به التحولات الفنية المتسارعة، يبرز فقدان فنانة مثل إيمان الغوري كتذكير بأهمية البساطة، والصدق، والالتزام بالقيم الجمالية والأخلاقية للفن. لقد رحلت، لكن إرثها سيبقى، وسيظل اسمها مرتبطًا بجيل صنع للدراما السورية مجدها ووهجها.
رحم الله إيمان الغوري، وأسكنها فسيح جناته، وألهم محبيها الصبر والسلوان.