أمريكا – السابعة الإخبارية
شهدت منصة لينكدإن خلال الأيام الأخيرة حالة واسعة من الجدل، بعد أن أطلقت مجموعة من المستخدمات تجارب شخصية أثارت أسئلة حساسة حول حيادية خوارزمية المنصة.
ورغم نفي لينكدإن الرسمي لأي تحيز قائم على النوع الاجتماعي، فإن ما تداوله المستخدمون من نتائج متشابهة دفع كثيرين لطرح تساؤل جوهري: هل تُبرز خوارزمية لينكدإن الرجال أكثر من النساء، أم أن المشكلة في طريقة تفاعل النظام مع أساليب الكتابة المختلفة؟

شرارة الجدل: تجارب فردية تتحول إلى نقاش عام
بدأت القصة عندما لاحظت العديد من النساء انخفاضًا كبيرًا في معدل الوصول لمنشوراتهن عقب تحديثات خوارزمية لينكدإن الأخيرة. ومع تكرر الشكاوى، قررت بعضهن إجراء تجارب مباشرة لاختبار مدى تأثير الجنس أو أسلوب الكتابة على انتشار المنشورات.
وشملت الاختبارات تغييرات متعمدة في ملفاتهن الشخصية وطريقة التعبير، من بينها:
تغيير الجنس في الملف الشخصي إلى “ذكر”.
تعديل الضمائر المستخدمة.
اختيار أسماء أكثر شيوعًا لدى الرجال.
استخدام لغة ذات طابع “قيادي” أو “مهني ذكوري” في السيرة الذاتية والمنشورات، مثل كلمات: drive – accelerate – transform.
النتائج المفاجئة دفعت النقاش للانتشار سريعًا، بعدما أعلنت بعض المستخدمات أن مشاهدات منشوراتهن تضاعفت بمجرد اعتماد أسلوب يُنظر إليه تقليديًا على أنه “ذكوري”. من بينهن فيليس آيلينغ، التي كتبت: “أخبرت لينكدإن أنني رجل… وتضاعفت مشاهداتي. هذا لا يبدو مجرد صدفة.” وأضافت أن المئات يخضعون لاختبارات مشابهة، وأغلبهم يحصل على نتائج متقاربة.

لغة حاسمة… ظهور أكبر؟
لم تتوقف التجارب عند تغيير النوع الاجتماعي فقط. إذ لاحظت ناشطات على المنصة أن اعتماد صياغات تعتمد على الحزم والثقة واللغة الإدارية القوية – وهي سمات ارتبطت تقليديًا بالخطاب المهني الذكوري – يؤدي إلى زيادة ملحوظة في معدلات الظهور والتفاعل.
ويرى البعض أن الخوارزمية تتفاعل مع اللغة التي تحمل طابع القيادة والإنجاز، ما يجعلها تعطي أولوية لهذا النوع من المحتوى بغضّ النظر عن جنس صاحبه. بينما يعتقد آخرون أن النظام نفسه قد يكون مهيأ – بشكل غير مقصود – لتكريس نمط معين من الخطاب المهني، وهو نمط تاريخيًا يُنسب للرجال.
هذا الجدل يفتح بابًا واسعًا لأسئلة حول تأثير الثقافة المهنية السائدة على طريقة تصميم خوارزميات شبكات الأعمال.
لينكدإن ترد: لا تحيز… واللغة وليس الجنس هو ما يؤثر
أمام تصاعد الجدل، خرجت لينكدإن ببيان رسمي أكدت فيه أنها تختبر خوارزمياتها بانتظام لرصد أي تفاوتات قد ترتبط بالنوع الاجتماعي، وأن نتائج هذه الاختبارات لم تُظهر أي تحيز قائم على الجنس.
وأضافت الشركة أن الزيادة الأخيرة في تفاعل المستخدمين – بما في ذلك ارتفاع بنسبة 24% في حجم التعليقات وزيادة ملحوظة في عدد المنشورات – قد تكون وراء التقلبات التي يلاحظها بعض المستخدمين.
كما شددت لينكدإن على أن:
الجنس لا يدخل ضمن عوامل ترتيب ظهور المحتوى.
تغيير الجنس في الحساب لا يؤثر على نتائج البحث أو معدل الظهور.
الخوارزمية تعتمد على مئات الإشارات، تشمل نوعية المحتوى، تاريخ التفاعل، علاقة المنشور بالشبكة المهنية، وليس السمات الشخصية للمستخدم.
لكن هذه التوضيحات لم تُنهِ الجدل، بل زادت أسئلة البعض حول ما إذا كان تأثير اللغة أو الأسلوب قد يكون بحد ذاته مرتبطًا بمعايير مهنية يُنظر إليها في غالب الأحيان من منظور ذكوري.

حين تصطدم التجربة الفردية بالبيانات الرسمية
على الرغم من نفي الشركة، تصر العديد من المستخدمات على أن النتائج التي لاحظنها ليست مجرد مصادفة ولا يمكن تجاهلها. وتشير التجارب المتكررة إلى أنه بمجرد تبنّي أسلوب كتابة أكثر صرامة وثقة وجرأة، تزداد فرص ظهور المنشور في خلاصة المتابعين، مقارنة بالأسلوب المعتاد.
ويسلط ذلك الضوء على جانب آخر من المشكلة:
هل الخوارزمية بالفعل محايدة، لكنها تعطي الأفضلية للغة المهنية المهيمنة تاريخيًا – والتي غالبًا ما ارتبطت بسلوكيات ذكورية؟ أم أن هناك عيبًا غير ملحوظ في طريقة قراءة الخوارزمية لخصائص المستخدمين؟
وبينما ينشر مستخدمون إحصاءات ومحاولات تحليل لنتائج تجاربهم، تتعرض لينكدإن لضغط متزايد للكشف بوضوح أكبر عن آلية عمل خوارزمياتها، خاصة أن المنصة باتت عنصرًا رئيسيًا في توظيف الملايين وتعزيز الحضور المهني.
الخلاصة: مشكلة في الخوارزمية أم في الثقافة المهنية؟
حتى الآن، لا يوجد دليل قاطع يثبت أن خوارزمية لينكدإن متحيزة على أساس الجنس. لكن ما تكشفه التجارب الفردية يشير إلى ضرورة دراسة تأثير اللغة والأسلوب والصوت القيادي على الظهور داخل المنصة.
وما بين نفي الشركة واستمرار تلك التجارب، يبقى السؤال مفتوحًا:
هل المشكلة في الخوارزمية بحد ذاتها؟
أم أنها انعكاس لصورة أوسع من الثقافة المهنية التي باتت منصات التواصل تعيد إنتاجها؟
ما هو واضح أن الجدل لن يتوقف قريبًا، وأن على لينكدإن تقديم مزيد من الشفافية بشأن خوارزمياتها، خاصة في وقت يعتمد فيه كثيرون على المنصة لصناعة مستقبلهم المهني.
