كاليفورنيا – السابعة الإخبارية
مرضى السكري.. في تقدم علمي واعد قد يغير مستقبل علاج مرضى السكري، كشف باحثون في جامعة كاليفورنيا – ديفيس عن دور حاسم لنوع معين من خلايا البنكرياس يدعى “خلايا دلتا” في تنظيم مستوى السكر في الدم ومنع الانخفاض الخطير له، وهي حالة يواجهها كثير من مرضى السكري خاصة عند استخدام الأنسولين.
خلايا دلتا.. اللاعب الخفي في توازن السكر
لفترات طويلة، ركزت الأبحاث على خلايا بيتا التي تنتج الأنسولين، الهرمون المسؤول عن خفض مستوى السكر، بينما ظلت خلايا دلتا، التي تشكل نحو 5% فقط من خلايا البنكرياس، مغيبة إلى حد كبير، واعتُبرت ثانوية دون دور حيوي.
لكن الدراسة الحديثة المنشورة في مجلة PNAS تؤكد أن خلايا دلتا تلعب دورًا بالغ الأهمية عبر إفراز هرمون “السوماتوستاتين”، الذي يعمل كفرامل لتقليل إفراز الأنسولين، وبالتالي منع انخفاض سكر الدم إلى مستويات خطيرة قد تهدد حياة المريض.
كيف تتواصل خلايا دلتا مع خلايا بيتا؟
يكمن السر في وجود وصلات كهربائية دقيقة بين خلايا بيتا وخلايا دلتا، تربطهما ببروتين خاص يُسمى “كونيكسين 36”. هذه الوصلات تسمح بنقل إشارات كهربية بسرعة عالية، تحفز خلايا دلتا على إطلاق السوماتوستاتين عندما يبدأ مستوى السكر في الانخفاض.
فضلاً عن ذلك، تفرز خلايا بيتا هرمونًا آخر يُدعى “يوروكورتين-3″، يعمل على تعزيز استجابة خلايا دلتا، بحيث تطلق السوماتوستاتين بعد حوالي 30 ثانية من بدء الانخفاض، مما يمنح الجسم فرصة مزدوجة للوقاية من هبوط السكر المفاجئ.

الأهمية الطبية للمرضى
هذه المنظومة الحيوية، التي تنظم توازن السكر في الدم، قد تكون معطلة لدى مرضى السكري بسبب خلل في خلايا بيتا، ضعف في الإشارات الكهربائية، أو ضعف في إفراز هرمون يوروكورتين-3. ونتيجة لذلك، يفقد الجسم آلية الحماية الطبيعية من انخفاض السكر، مما يعرض المرضى لمضاعفات خطيرة مثل الإغماء أو الغيبوبة.
تشير الدراسة إلى أن تطوير علاجات تستهدف تحسين وظيفة خلايا دلتا، أو تعزيز التواصل بينها وبين خلايا بيتا، يمكن أن يشكل طفرة في حماية مرضى السكري دون الحاجة إلى التدخل المباشر في إنتاج الأنسولين أو الجلوكاجون.
آفاق مستقبلية واعدة
رغم أن الأبحاث حتى الآن أجريت على نماذج حيوانية (الفئران)، إلا أن النتائج تفتح آفاقًا واسعة أمام العلماء لتطوير أدوية جديدة تعيد التوازن الهرموني للبنكرياس.
يؤكد الباحثون على أهمية الحذر في تعديل نشاط خلايا دلتا، لأن التوازن بين هرمونات البنكرياس حساس للغاية، وأي خطأ قد يؤدي إلى اختلالات أكبر.
ويأمل الفريق البحثي أن تثمر هذه الدراسات قريبًا عن تطبيقات علاجية على البشر، تساعد على تقليل الاعتماد الكامل على الأنسولين، وتحسين جودة حياة ملايين المصابين بمرض السكري حول العالم.
خلايا دلتا: دور محوري في تنظيم مستويات السكر داخل البنكرياس
داخل البنكرياس، توجد أنواع مختلفة من الخلايا التي تعمل بتناغم معقد للحفاظ على توازن السكر في الدم. خلايا بيتا تنتج الأنسولين الذي يخفض مستوى السكر، بينما خلايا ألفا تفرز الجلوكاجون الذي يرفع مستوى السكر عندما ينخفض. أما خلايا دلتا، التي لم تحظَ بالاهتمام الكافي سابقًا، فهي تفرز هرمون السوماتوستاتين الذي يعمل كنوع من الفرامل الحيوية لتنظيم الإفرازات الهرمونية، خاصةً للأنسولين.
هذه الآلية الفريدة تمنع انخفاض مستويات السكر إلى حد خطير، مما يحمي الجسم من مضاعفات قد تصل إلى فقدان الوعي أو الغيبوبة، خصوصًا لدى مرضى السكري الذين يعتمدون على الأنسولين.

كيف يمكن الاستفادة من هذا الاكتشاف في علاج السكري؟
يشير الباحثون إلى أن العديد من مرضى السكري قد يعانون من خلل في هذه الشبكة المعقدة بين خلايا بيتا ودلتا، سواء بسبب ضعف إشارات الاتصال الكهربائية أو اضطرابات في إفراز هرمونات التنظيم مثل يوروكورتين-3. وهذا يؤدي إلى فشل الجسم في منع انخفاض السكر بشكل مفاجئ، مما يجعلهم عرضة للمخاطر الصحية.
بالتالي، فإن تطوير أدوية تعزز وظيفة خلايا دلتا أو تحسن التواصل بينها وبين خلايا بيتا قد يمثل ثورة في علاج السكري. بدلاً من التركيز فقط على تعديل إنتاج الأنسولين أو استخدام الحقن بشكل مكثف، سيكون بالإمكان إعادة ضبط التوازن الطبيعي لهرمونات البنكرياس، مما قد يقلل من تذبذب مستويات السكر ويحسن استقرار الحالة الصحية للمريض.
تحديات مستقبلية
رغم التفاؤل الكبير، هناك تحديات علمية يجب تجاوزها. فالدقة في تعديل نشاط خلايا دلتا أمر بالغ الأهمية، لأن أي خلل قد يؤدي إلى اضطرابات أكبر في توازن السكر. لذلك، يعمل الباحثون الآن على فهم هذه الآليات بدقة عالية قبل الشروع في تطبيق العلاجات الجديدة على البشر.
آمال كبيرة لملايين المرضى
مع استمرار الأبحاث، يأمل العلماء أن يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام أدوية أكثر أمانًا وفعالية، قد تقلل من الاعتماد على حقن الأنسولين اليومية، وتحسن نوعية حياة مرضى السكري. وبذلك، قد يشكل هذا البحث نقطة تحول تاريخية في علاج مرض السكري، ويمنح ملايين المرضى حول العالم فرصة لحياة أكثر صحة واستقرارًا.
