مصر – السابعة الإخبارية
في مشهد كوني نادر ينتظره العالم بشغف، تستعد محافظة الأقصر المصرية لأن تكون في قلب حدث فلكي استثنائي، حين يشهد العالم في الثاني من أغسطس عام 2027 أطول كسوف كلي للشمس منذ أكثر من ثلاثة عقود، في ظاهرة لن تتكرر قبل عام 2114، لتسطر مصر صفحة جديدة في سجل الظواهر الفلكية التاريخية.
ظاهرة كونية تسحر العيون وتثير الخيال
يحدث الكسوف الكلي للشمس عندما يصطف القمر بدقة متناهية بين الأرض والشمس، فيحجب ضوءها بالكامل عن كوكبنا لبضع دقائق، فتتحول ساعات النهار إلى ما يشبه ليلًا قصيرًا مهيبًا. ورغم أن الشمس أكبر من القمر بنحو 400 مرة، فإن المسافة الفاصلة بين كل منهما عن الأرض تجعل قرصيهما يبدوان متساويين تقريبًا في الحجم، مما ينتج هذا التوافق البصري المدهش.
وفي لحظات الكسوف الكلي، تتجلى الهالة الشمسية – تلك الطبقة اللامعة المحيطة بالشمس – في مشهد يخطف الأنظار ويثير رهبة المشاهدين، إذ تظهر كإكليل فضيّ يشعّ حول قرص القمر المظلم، في تداخل نادر بين النور والظلمة، والعلم والأسطورة.

الأقصر.. عاصمة التاريخ وموطن أطول لحظات الكسوف
وفقًا لتقديرات علماء الفلك، ستكون مدينة الأقصر من أفضل وأوضح النقاط على سطح الأرض لمشاهدة الكسوف الكلي المقبل، حيث سيغطي القمر قرص الشمس بالكامل لمدة تزيد عن ست دقائق، وهي مدة تُعدّ الأطول في القرن الحادي والعشرين. وستحدث ذروة الظاهرة في الساعة الواحدة ظهرًا تقريبًا بالتوقيت المحلي، في وقت تتوافر فيه ظروف مناخية مثالية تجعل من سماء الأقصر لوحة مفتوحة للدهشة.
ويمتد مسار ظل القمر عبر عشر دول تبدأ من المحيط الأطلسي غربًا، مرورًا بشمال إفريقيا، وتنتهي فوق شبه الجزيرة العربية. لكن مصر، بطقسها الصحراوي الجاف وصفاء أجوائها، ستكون الوجهة الأمثل لعشاق الفلك والمصورين والباحثين القادمين من مختلف دول العالم لتوثيق هذا الحدث الاستثنائي.
سيوة وإدفو وكوم أمبو.. وجهات بديلة لمراقبة الحدث
لا تقتصر روعة المشاهدة على الأقصر وحدها، إذ ستكون واحة سيوة أيضًا مسرحًا لتجربة فريدة في قلب الصحراء الغربية، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بكسوف كلي يدوم أكثر من خمس دقائق، وسط أجواء هادئة بعيدًا عن صخب المدن.
أما مدينتا إدفو وكوم أمبو فستقدمان تجربة بصرية مميزة، إذ سيغطي الكسوف هناك الشمس بالكامل لمدة تتراوح بين خمس إلى خمس دقائق ونصف، في حين سيشهد وادي النيل مشهدًا بانوراميًا يجمع بين عظمة الطبيعة وسحر التاريخ المصري القديم.

حدث علمي وسياحي على مستوى عالمي
تستعد المؤسسات العلمية والسياحية المصرية لهذا الحدث من الآن، إذ تعمل هيئة الأرصاد الفلكية بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار على تنظيم فعاليات ومؤتمرات مصاحبة، تهدف إلى تحويل الظاهرة إلى احتفالية عالمية تجمع بين العلم والثقافة والسياحة.
وقد بدأت بالفعل شركات السياحة الدولية في الإعلان عن برامج خاصة لمتابعة الكسوف في مصر، تشمل رحلات إلى الأقصر وسيوة وأسوان، مع توفير أدوات الرصد الآمنة ومحاضرات تعريفية بالظاهرة يقدمها متخصصون من مختلف أنحاء العالم.
أطول كسوف منذ 1991.. وأطول من معظم كسوفات القرن
عادةً ما تستمر حالات الكسوف الكلي للشمس أقل من ثلاث دقائق، إلا أن كسوف عام 2027 يُعد استثنائيًا بطوله غير المسبوق منذ عام 1991، إذ سيغرق مناطق واسعة من العالم في ظلام دامس لأكثر من ست دقائق. ويُعزى ذلك إلى قرب القمر من الأرض في هذا التاريخ، ما يزيد من قطر ظله ويسمح بتغطية أكبر لقرص الشمس.
ويرى علماء الفلك أن هذا الكسوف سيحطم الأرقام القياسية من حيث المدة ووضوح الرؤية، مؤكدين أنه سيكون من أهم الأحداث الفلكية في القرن الحادي والعشرين، وفرصة نادرة لدراسة الغلاف الجوي للشمس بدقة لم تتوفر منذ عقود.

دعوة للتأمل في عظمة الكون
لا يمثل الكسوف الكلي للشمس مجرد حدث علمي، بل تجربة إنسانية تدعو للتأمل في عظمة الكون وتوازن قواه. فعندما يغمر الظلام النهار لبضع دقائق، يدرك الإنسان ضآلة وجوده أمام نظام كوني دقيق لا يختل. إنها لحظة صمت كونية، يتوقف فيها الزمن وكأن الطبيعة تلتقط أنفاسها.
ويأمل العلماء أن يسهم هذا الحدث في نشر الوعي الفلكي في العالم العربي، وتحفيز الأجيال الجديدة على الاهتمام بالعلوم، مؤكدين أن مصر – بتاريخها الفلكي العريق منذ عهد الفراعنة – ستظل أرضًا خصبة لمتابعة أسرار السماء.
