الإمارات – السابعة الإخبارية
الشتاء.. مع بدايات الأسبوع الجاري، دخلت الإمارات مرحلة جديدة من التحولات المناخية مع طلوع نجم “الزبانا” الذي يمثّل، وفق الخبراء، نقطة مفصلية في تقويم الفصول عند العرب، وبداية فعلية لتراجع درجات الحرارة واقتراب موسم الشتاء.
ويشير هذا الطالع، المتعارف عليه منذ قرون في الموروث الفلكي العربي، إلى بدء المواطنين وهواة البر في الاستعداد لموسم “إشعال الحطب” أو ما يُعرف محلياً بـ”شبّ الضو”، وهي العادة التي ترافق جلسات الصحراء خلال الليالي الباردة.
علامة فلكية تعلن نهاية الوسم
إبراهيم الجروان، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للفلك وعضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، أوضح أن طلوع “زبانا العقرب” فجر الاثنين شكّل إشارة دقيقة يعتمد عليها السكان لمعرفة تغيّر الأجواء. وقال إن ظهور هذا النجم في 24 نوفمبر من كل عام يُعد إعلاناً رسمياً عن انتهاء “الوسم”، وهو الموسم الذي يُنتظر فيه هطول الأمطار الأولى التي تبشر بخصوبة الأرض.
ويمتد طالع الزبانا لمدة 13 يوماً، وخلال هذه الفترة يبدأ المناخ بالتحول الملحوظ نحو البرودة، وتنخفض درجات الحرارة ليلاً إلى ما دون 20 درجة مئوية، وقد تهبط في بعض المناطق الداخلية والجبلية إلى أقل من 15 درجة بعد منتصف الليل، مما يجعل الطقس أكثر ميلاً للأجواء الشتوية.

“شبّ الضو”.. عودة طقوس الصحراء
ومع دخول الزبانا، يترقب محبو البر والصحراء في الإمارات بدء واحد من أهم مواسمهم السنوية، وهو موسم “شبّ الضو”، حيث يجتمع الأصدقاء والعائلات حول الحطب المشتعل في جلسات تمتد لساعات طويلة داخل البر. ويعتبر أهل البادية ظهور هذا الطالع بمثابة دعوة صريحة للعودة إلى عادات الجلسات الليلية حول النار، التي لا تُستخدم للدفء فحسب، بل تُعد جزءاً أصيلاً من الموروث الاجتماعي.
وتشهد مخيمات البر نشاطاً متزايداً خلال هذه الفترة، مع اعتدال الطقس في النهار وبرودته ليلاً، وهو ما يخلق بيئة مثالية للتخييم والرحلات الجبلية والصحراوية. إلا أن هذا الإقبال المتزايد يترافق مع أهمية التقيد بالقوانين المنظمة للأنشطة البرية التي وضعتها السلطات لحماية البيئة وضمان سلامة الجميع.
ضوابط صارمة للتخييم مع قرب موسم الأمطار
ومع اقتراب موسم الأمطار واشتداد الإقبال على التخييم، تذكّر الجهات المختصة بضرورة الالتزام بالإجراءات واللوائح المعمول بها في المناطق البرية والصحراوية. فقد حددت بعض الإمارات غرامات تصل إلى 30 ألف درهم للمخالفين، خصوصاً فيما يتعلق بالإضرار بالبيئة، أو إشعال النار في أماكن غير مخصصة، أو ترك النفايات، أو قيادة المركبات بطرق تعرّض الآخرين للخطر.
وتشدد الجهات الرقابية على ضرورة استخراج تصاريح التخييم في بعض المناطق، واحترام التعليمات الخاصة بحماية الحياة الفطرية، وعدم العبث بالكثبان الرملية أو الأشجار البرية، خاصة مع ازدياد مخاطر التعرّض للسيول المفاجئة خلال مواسم الأمطار.
الزبانا.. نجم قديم في ذاكرة العرب
من الناحية الفلكية، يوضّح الجروان أن “زبانا العقرب” يتكون من نجمين بارزين هما “جاما الميزان” و”دلتا الميزان”، ويشكلان معاً أحد أوائل نجوم برج الميزان. ورغم ارتباطهما فلكياً بالميزان، إلا أن العرب القدماء كانوا يعدونهما جزءاً من برج العقرب، إذ صوروها كأنها تمثل قرني العقرب في مخيلتهم التراثية. وظلت هذه التسمية ملازمة للنجمين في الثقافة العربية حتى اليوم.
ويتميز هذا الطالع بأنه يمثل نهاية مقدمات الشتاء، وبداية الزحف الفعلي نحو البرد، ولهذا كان يحظى بمكانة مهمة لدى القبائل التي تعتمد على معرفة الفصول لضبط أوقات السفر والرعي والزراعة.

الشتاء يقترب.. ونجم الإكليل على الأبواب
واختتم الجروان حديثه بالتأكيد على أن التقويم النجمي لا يزال أداة مهمة لدى المجتمعات العربية، حتى بعد دخول العصر الحديث، لما يوفره من دلائل دقيقة عن التغيرات الموسمية. وبيّن أن فصل الشتاء وفق هذا التقويم سيبدأ عملياً عند طلوع نجم “الإكليل” فجر السابع من ديسمبر، حيث تزداد الأجواء برودة بشكل واضح وتبدأ درجات الحرارة في الانخفاض النهاري أيضاً.
ويضيف الجروان أن الإمارات خلال الأسابيع المقبلة ستشهد طقساً أكثر ميلاً للبرودة، مع توقعات بزيادة فرص الأمطار مع دخول ديسمبر ويناير، وهو ما ينعش النشاطات الخارجية ويعزز حضور رحلات البر والتخييم.
موروث فلكي يلتقي مع شغف الصحراء
تشكّل هذه الفترة من العام مزيجاً بين الموروث الفلكي العريق والعادات الاجتماعية المتجذرة. فطلوع الزبانا ليس مجرد حدث فلكي في السماء، بل هو مؤشر يترقبه الناس في الإمارات ليبدأوا موسماً خاصاً مليئاً بالتجارب الصحراوية، وجلسات الحطب، ورحلات الاستكشاف، وسط أجواء باردة منعشة تنتظرها العائلات كل عام.
وبين دقة الحسابات الفلكية وعراقة الطقوس البدوية، يبقى الشتاء في الإمارات موسماً له طعمه الخاص وروحه التي تجمع بين الدفء الإنساني وبرودة الرياح وهدوء الصحراء.

