الإمارات – السابعة الإخبارية
الذكاء الاصطناعي.. في خطوة تعكس رؤية الإمارات المستقبلية في توظيف التكنولوجيا لخدمة القيم الإنسانية والدينية، دعا الدكتور عمر حبتور الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة، إلى استثمار التقنيات الحديثة وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي في تطوير إدارة الشأن الديني، بما يعزز الأمن الفكري ويخدم الإنسان والمجتمع والدين.
جاءت تصريحات الدكتور الدرعي خلال الاجتماع الوزاري الحادي عشر للمسؤولين عن الشؤون الإسلامية والأوقاف بدول مجلس التعاون الخليجي، الذي عُقد اليوم الإثنين في دولة الكويت، بمشاركة وفود رسمية من مختلف دول الخليج، لبحث سبل الارتقاء بالخطاب الديني ومواكبة التطورات التقنية والاجتماعية المتسارعة.
الذكاء الاصطناعي.. فرصة لخدمة الدين والإنسان
أكد الدكتور الدرعي في كلمته أن العالم يعيش اليوم ثورة معرفية غير مسبوقة، تقودها التقنيات الذكية، وأن التعامل مع الذكاء الاصطناعي بات ضرورة ملحّة وليس خياراً. وقال:”الذكاء الاصطناعي أصبح واقعاً لا يمكن تجاوزه، بل يجب احتضانه برؤية متزنة، واستثماره في ما يخدم الإنسان والأوطان والدين.”
وأضاف أن إدارة الشأن الديني مسؤولية عظيمة تتصل ارتباطاً مباشراً بأمن المجتمعات واستقرارها وازدهارها، موضحاً أن المجتمعات التي تنجح في تنظيم هذا المجال وفق منهج وسطي رشيد تكون أكثر قدرة على تحقيق التوازن بين القيم الدينية ومتطلبات التنمية.
وشدّد على أن تحقيق هذا التوازن يتطلب فهماً عميقاً للمرحلة، قائلاً إن “مسؤوليتنا اليوم تقتضي أن نكون على قدر الطموح، مستلهمين من رسالتنا الدينية ما يدفعنا نحو الإتقان والإبداع في العمل.”

تجربة الإمارات.. نموذج رائد في تجديد الخطاب الديني
واستعرض الدكتور عمر حبتور الدرعي تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في تطوير منظومة الشأن الديني، مؤكداً أنها أصبحت نموذجاً عالمياً في الجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وأشار إلى أن الإمارات كانت من أوائل الدول التي وظفت الذكاء الاصطناعي في الخطبة والمنابر والمساجد، عبر مبادرات ذكية تشرف عليها الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، بهدف تحسين جودة الخطاب الديني وضمان وصول الرسائل الوعظية بصورة مؤثرة ومنضبطة.
كما تحدث عن تجربة الخطبة الموحدة التي أطلقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قبل أكثر من 30 عاماً، والتي تعد من أبرز المبادرات الرائدة في تاريخ الدعوة الإسلامية المعاصرة، إذ رسخت منهج الاعتدال والوحدة الفكرية داخل المجتمع الإماراتي، مع الحفاظ على تنوع الطرح وأساليبه بما يتناسب مع روح العصر.
وأوضح أن هذه التجربة كانت نواة لمنظومة متكاملة من حوكمة الشأن الديني، تعتمد على تأهيل الكفاءات الدينية، وتطوير المناهج التدريبية، ومواكبة أدوات العصر الرقمي لضمان وصول الخطاب الديني بأسلوب يجمع بين المصداقية والعلمية والجاذبية.
الاجتماع الخليجي.. بحث القيم والتحديات المعاصرة
شهد الاجتماع الوزاري الذي احتضنته الكويت مناقشة مجموعة من القضايا الحيوية التي تمس حياة الأفراد والمجتمعات الخليجية، أبرزها قضايا الأسرة والأجيال الجديدة، وتعزيز القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، إلى جانب مناقشة سبل ترشيد استهلاك الطاقة وحماية البيئة، بما ينسجم مع مبادئ الشريعة الإسلامية الداعية إلى الوسطية في كل مناحي الحياة.
وتطرق المجتمعون كذلك إلى أهمية تعزيز الأمن الفكري في مواجهة التحديات الفكرية والسلوكية المعاصرة، وضرورة تطوير الخطاب الديني بما ينسجم مع التطورات التقنية والرقمية، خصوصاً مع تزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تشكيل الوعي العام.
كما أولى المشاركون اهتماماً خاصاً بمسألة التعامل المتزن مع الذكاء الاصطناعي، من خلال وضع أطر شرعية وأخلاقية تضمن توجيه هذه التقنية نحو ما يخدم الإنسان والمجتمع ويحافظ على القيم الدينية الراسخة.

رؤية خليجية موحدة نحو الاعتدال والتسامح
أشاد الدكتور الدرعي بما تحقق في دول مجلس التعاون الخليجي من إنجازات نوعية في ترسيخ قيم الاعتدال والتسامح والتعايش السلمي، مؤكداً أن هذه القيم تمثل الركيزة الأساسية في بناء مجتمعات مستقرة ومتقدمة.
وأشار إلى أن تجربة دول الخليج، بقيادة قادة دول المجلس، باتت مثالاً يُحتذى به في الجمع بين التنمية المادية والروحية، مشدداً على أن ازدهار الأوطان لا يتحقق إلا بسلامة الفكر، واستقرار القيم، واستثمار الطاقات البشرية في خدمة الدين والإنسانية.
وفد الإمارات المشارك
ضم وفد دولة الإمارات في الاجتماع كلاً من عبد الرحمن سعيد الشامسي، المدير التنفيذي للكفاءات الدينية والخطاب الشرعي بالإنابة في الهيئة، إلى جانب عدد من المسؤولين والخبراء في مجالات الدعوة والإرشاد الديني.
وأكد الوفد خلال مداخلاته أن الإمارات ماضية في تبني مبادرات مبتكرة لتطوير العمل الديني، عبر دمج التكنولوجيا في التدريب والإرشاد، وتوسيع نطاق استخدام الأنظمة الذكية في إدارة المساجد والبرامج الدعوية، بما يعكس نهج الدولة في تحقيق الريادة الرقمية في خدمة الدين والمجتمع.
بهذه الدعوة، تضع الإمارات بصمة جديدة في مسار التحول الذكي في الشأن الديني، وتؤكد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة إيجابية لتجديد الخطاب الديني، ونشر قيم الإسلام الوسطية، وتعزيز التسامح الإنساني، عندما يُدار برؤية مستنيرة وضمير حي.
فهي اليوم لا تكتفي بمواكبة المستقبل، بل تصنعه بخطى واثقة تجمع بين العلم والإيمان، والتقنية والقيم، لتبقى نموذجاً حضارياً يُحتذى به في العالم الإسلامي.
