الإمارات – السابعة الإخبارية
الإيموجي.. لم يعد العالم الرقمي اليوم مجرد مساحة للتواصل اللطيف أو تبادل التعليقات اليومية؛ فقد أصبح ميدانًا تتداخل فيه المشاعر والمواقف والسلوكيات الإنسانية، ويُستخدم فيه كل شيء — حتى الرموز التعبيرية — للتعبير عن مواقف قد تكون بريئة، أو قد تحمل في الوقت نفسه إساءة وازدراء وتهديدًا.
وفي ظل هذا التطور السريع، دخلت “الإيموجي” رسميًا دائرة الاتهام، بعدما أكد مختصون قانونيون أن استخدامها بطريقة مسيئة عبر الإنترنت يمكن أن يُصنَّف ضمن جرائم السبّ والقذف أمام القضاء الإماراتي.
ويشير محامون إلى أن المشرّع الإماراتي أدرك منذ سنوات الحاجة إلى تحديث التشريعات لمواكبة السلوكيات الرقمية الجديدة، خاصة مع تزايد الاعتماد على تطبيقات التواصل الاجتماعي والرسائل الفورية في الحياة اليومية. ومع توسّع هذه المنصات ودخول ملايين المستخدمين إليها، تغيّرت لغة الحوار، وأصبحت الرموز التعبيرية وسيلة تواصل مكثّفة تختصر أحيانًا مواقف كاملة بكلمة أو حرف أو رمز واحد.

الإيموجي… رمز صغير قد يتحول إلى اتهام كبير
يؤكد المحامي والمستشار القانوني معتز فانوس أن مفهوم السبّ في القانون الإماراتي يشمل كل ما من شأنه إهانة الغير أو الانتقاص من قدره أو تحقيره، سواء تم ذلك بالكلمات أو الصور أو الإشارات، أو عبر أي وسيلة من وسائل التقنية الحديثة. ويوضح أن العديد من القضايا التي عُرضت أمام المحاكم تضمنت رسائل بدا ظاهرها بسيطًا، لكنّ محتواها — وخاصة الرموز المستخدمة — حمل نية واضحة للإساءة، ما اعتُبر دليلًا على ارتكاب جريمة.
ويضيف فانوس أن “الإيموجي” قد يكون في بعض الأحيان دالًا بذاته على القصد الجنائي، مشيرًا إلى أن الرموز مثل الوجه الغاضب، أو علامات السخرية، أو حتى الإشارات الجارحة يمكن أن تُستخدم لإهانة شخص ما بوضوح في سياق المحادثة. وقد يعتمد القضاء على هذه الرموز باعتبارها جزءًا من الرسالة الإلكترونية التي كوّنت نية المتهم وأكدت رغبته في الإساءة.
المرسوم بقانون 34 لسنة 2021… مظلة قانونية تشمل كل المحتوى الرقمي
وبحسب المحامي فانوس، فإن “المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية” جاء ليغطي جميع أشكال الإساءة الإلكترونية دون استثناء. وينص القانون صراحة على معاقبة كل من يسبّ أو يهين غيره باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات، وهو ما يشمل الرسائل النصية، التسجيلات، الصور، والرموز التعبيرية.
ويرى الخبراء أن هذا التطور التشريعي يعكس إدراكًا عميقًا لواقع الفضاء الرقمي، حيث أصبحت الرموز المختصرة جزءًا من اللغة اليومية، وتدل دلالات واضحة على نية صاحبها. وفي حالات كثيرة، لا يكون المستخدم مدركًا أن رمزًا بسيطًا قد يحمل معنى مسيئًا يجرّه إلى المساءلة القانونية.
العقوبات… غرامات تصل إلى 250 ألف درهم وحبس في بعض الحالات
وحول العقوبات، يوضح فانوس أن المادة 43 من قانون الجرائم الإلكترونية تنص على توقيع عقوبة الحبس أو الغرامة على مرتكب جريمة السبّ الإلكتروني، مشيرًا إلى أن الغرامة قد تصل إلى 250 ألف درهم، أو الحبس لمدة تصل إلى سنة واحدة، وفق طبيعة الجريمة وظروفها.

وتُضاعَف العقوبة في حال كانت الإهانة موجهة إلى موظف عام أثناء قيامه بواجبه، أو في ظروف معينة يُعتبر فيها الفعل ذا أثر أكبر على النظام العام أو المجتمع. ويؤكد فانوس أن القانون الإماراتي صارم في حماية كرامة الأفراد وسمعتهم، ويعتبر ذلك حقًا أصيلًا لا يجوز المساس به تحت أي ظرف.
وعي رقمي مطلوب… لأن المزاح قد يتحول إلى جريمة
وفي ضوء هذه التطورات، يؤكد القانونيون أن الوعي الرقمي أصبح ضرورة مُلحّة، خاصة في مجتمع يتفاعل بشكل يومي عبر الإنترنت. فالمزاح أو الانفعال اللحظي أو الردود غير المحسوبة قد تتحول في لحظة إلى قضية جنائية، بمجرد وجود رمز تعبيري يحمل معنى مهينًا أو حادًا.
ويشدد الخبراء على أهمية التفكير قبل إرسال أي رسالة تحتوي على إيموجي يُمكن تفسيره على أنه سخرية أو تهديد أو تحقير، فالقانون ينظر إلى كامل سياق الرسالة، ويتعامل مع الرموز التعبيرية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من المحتوى الرقمي الذي يعبّر عن قصد المرسل.

ختامًا… لغة جديدة وقانون متطور
إن دخول الرموز التعبيرية ضمن المواد القابلة للتقاضي يؤكد أن لغة الإنسان تتغير، وأن القانون يتطور معها لحماية المجتمع وضمان احترام الآخر. ومع توسّع الفضاء الرقمي وتعدد لغاته ورموزه، تسعى التشريعات الإماراتية إلى الحفاظ على بيئة تواصل آمنة ومسؤولة، تُحترم فيها كرامة الإنسان، ويوقف فيها أي تجاوز مهما كان بسيطًا أو مختصرًا… حتى لو كان مجرد “إيموجي”.
