الإمارات – السابعة الاخبارية
التكامل، ليست الحكاية صراع أجيال كما نحب أن نصوّرها أحيانًا، بل هي سيمفونية من الأصوات المتعاقبة، لكل جيل فيها نغمة خاصة، فإذا اجتمعت اكتملت المعزوفة. جيل X، المولود بين 1965 و1980، جيل الصبر والواقعية، تعلّم كيف ينجو من الأزمات، كيف يبني من الرماد مسارًا جديدًا، حتى أن 60% منهم اليوم يصفون أنفسهم بأنهم أكثر عملية من سواهم. إنهم الجيل الذي ما زال يضخ في شرايين الاقتصاد قوة شرائية هائلة تقدَّر بأكثر من 22 تريليون دولار، في الوقت الذي يقترب فيه من عتبة التقاعد بقلق مشروع.
جيل الألفية لا يطلبون وظائف فحسب
ثم يأتي جيل الألفية، أو جيل المعنى، الذين وُلدوا بين 1981 و1996، وعددهم يقارب 1.8 مليار إنسان، ربع سكان العالم. إنهم لا يطلبون وظيفة فحسب، بل يسألون: لماذا نعمل؟ من أجل ماذا؟ ولذلك غيّروا قواعد اللعبة، فسبعة من كل عشرة منهم يرفضون العمل في شركة لا تحمل بصمة مسؤولية اجتماعية أو بيئية واضحة. وبحسابات الاقتصاد، فإنهم بحلول 2030 سيكونون ثلاثة أرباع القوة العاملة في العالم، ما يعني أنهم ليسوا مجرد جيل عابر، بل هم العمود الفقري لاقتصاد الغد.
جيل Z، أبناء الإنترنت منذ ولادتهم، جيل 1997 وما بعده، هو جيل السرعة والقلق في آن واحد. في بعض الدول يشكلون أكثر من 30% من السكان، أي طوفان شبابي يفرض إيقاعه على السوق. نصفهم تقريبًا يعلن صراحة أنه يعاني من مستويات مرتفعة من القلق أو الاكتئاب، ومع ذلك فإنهم يقودون وحدهم ثورة التجارة الاجتماعية، حيث ثلثا المشتريات الرقمية عبر المنصات يقف خلفها هذا الجيل. والاقتصاديون يتحدثون عن سوق يتجاوز 2.9 تريليون دولار في غضون سنوات قليلة، يحركه في الأساس هؤلاء الفتية المتعطشون للابتكار.
ثم يطل جيل ألفا، مواليد 2010 وما بعده، أكبر جيل ناشئ في التاريخ بأكثر من ملياري طفل. لم يعرفوا يومًا بلا شاشة، ولم يدخلوا مدرسة من دون أثر الذكاء الاصطناعي، ويُتوقع أن يدخل ثلثهم وظائف لم تُخترع بعد، بينما 65% من مهنهم المستقبلية لا تزال مجهولة الهوية. إنهم ليسوا أبناء التكنولوجيا فحسب، بل أبناء عالم يتشكل أمام أعينهم من جديد، يكتبون لغته ويرسمون خرائطه.
هذه الأجيال ليست جزرًا متباعدة، بل جسور متواصلة. جيل X بعقله المؤسسي يمهّد الطريق، وجيل الألفية يزرع المعنى والقيمة، وجيل Z يصوغ لغة السوق بلحظة رقمية، وجيل ألفا يستعد ليحمل الشعلة بأدوات أكثر ذكاءً وأوسع أفقًا. الفجوات بينهم موجودة، في الوتيرة وفي الهموم: الأكبر يقلق على التقاعد، الأوسط يبحث عن غاية، الأصغر يئن من ضغط نفسي، والأحدث ينمو في حضن الذكاء الاصطناعي. لكن الخيط الذي يجمعهم أن كل جيل يملك ما يحتاجه الآخر، وأن سرّ البقاء لا يكمن في المفاضلة، بل في القدرة على تحويل اختلافهم إلى اكتمال.
وهنا يكتشف القارئ أن الزمن ليس أجيالًا تتناوب المقاعد فحسب، بل فسيفساء متشابكة، متى أحسنا ترتيبها صارت لوحة متكاملة. ليست القضية إذن في صراع الأجيال، بل في هندسة التكامل بينهم؛ وحين نبلغ هذه المرحلة يتحول التنوع من مصدر قلق إلى مصدر قوة، وتغدو المجتمعات أكثر قدرة على صنع مستقبل يفوق حاضرها.