العراق – السابعة الإخبارية
التنمر.. أثار مقطع فيديو قصير انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق ضجة واسعة، بعد ظهور سيدة عراقية تُدعى “إيمان” في مقابلة تلفزيونية، وهي تُطلق وصفًا اعتبره كثيرون مهينًا على ابنتها الصغيرة ، ما أشعل موجة من التعليقات الغاضبة والنقاشات حول التنمر اللفظي داخل الأسرة وحدود المزاح المقبول أمام الكاميرا.
تعود تفاصيل الحادثة إلى مقابلة مصوّرة ظهرت فيها الأم “إيمان” برفقة طفلتها، حيث سألتها المذيعة إن كانت الطفلة الجالسة بجوارها هي ابنتها، لترد الأم بضحكة خفيفة قائلة: “جلحة”، وهي كلمة دارجة باللهجة العراقية تُستخدم لوصف قلة الجمال، قبل أن تبعد الطفلة عن الكاميرا، في مشهد وُصف بأنه صادم وغير مبرر واعتبره الكثير من التنمر.
متداول | أمٌّ عراقية قامت بإبعاد ابنتها عن الكاميرا بقوة، فتملّكت الطفلة نفسها وكظمت دموعها في مشهد مؤثر، انتشر على نطاق واسع، وتلقت بسببه دعمًا معنويًا كبيرًا من العراقيين والعرب.#العراق #ترند pic.twitter.com/pFMiVQUK5Y
— مشاهير الشرق الأوسط (@CelebMiddleEast) June 5, 2025
ردود الفعل على هذا التنمر
الردود المقطع لم تتأخر، حيث عبّر آلاف المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم واستيائهم من تصرّف الأم، معتبرين ما حدث شكلاً من أشكال التنمّر اللفظي العلني ضد طفلة بريئة، تم توجيه إهانة لها أمام ملايين المشاهدين. وأكد كثيرون أن الحادثة لا ينبغي أن تُمر مرور الكرام، محذّرين من الآثار النفسية الخطيرة التي قد تخلّفها مثل هذه العبارات على الأطفال، خاصة حين تُقال من أقرب الناس إليهم بسبب التنمر.
وعلّق ناشطون ومختصون في شؤون الطفولة على الواقعة، مطالبين بمزيد من الوعي لدى الأهالي بشأن أهمية احترام الأطفال في الأماكن العامة وأمام وسائل الإعلام، مشيرين إلى أن الأسرة هي أول مصدر للثقة بالنفس أو لهدمها، وأن التنمّر لا يقتصر على المدارس والغرباء، بل قد يبدأ أحياناً من داخل البيت.
هذا الفيديو مزاح أم من التنمر؟
في المقابل، دافع البعض عن الأم، مشيرين إلى أن الكلمة قيلت في سياق المزاح العفوي، وأن استخدام الأوصاف الساخرة متداول في بعض العائلات العراقية كنوع من الدعابة الداخلية، معتبرين أن ردود الفعل كانت مبالغاً فيها. وتساءل البعض: “هل يجب تحميل كل جملة ثقلاً نفسياً وتحليلاً اجتماعياً؟”، داعين إلى “عدم تضخيم الأمور التي قد تكون عادية في بعض البيوت”.

هذا الانقسام في الآراء فتح نقاشًا أعمق حول الثقافة المجتمعية المتعلقة بالمزاح داخل العائلة، وحدود الألفاظ المقبولة، خاصة عند نقلها إلى فضاء عام مثل التلفزيون أو الإنترنت، حيث تختلف طبيعة التلقي بين من يعتبر الأمر عفويًا، ومن يراه إساءة مباشرة تمس كرامة الطفل وتهدد صحته النفسية.
وسم “الملكة السومرية” لدعم الطفلة من التنمر
ردًا على الانتقادات، أطلق عدد من الناشطين على منصات التواصل حملة تضامن واسعة مع الطفلة تحت وسم #الملكة_السومرية، في إشارة رمزية إلى جمالها وكرامتها وحقها في الاحترام، بعيدًا عن أي أوصاف تُنتقص منها. وشارك كثيرون صورًا ومقاطع تشيد ببراءة الطفلة وجمالها الطبيعي، في محاولة لتعويضها معنويًا عن الضرر الذي قد تكون تعرضت له.
الحملة لاقت تفاعلًا كبيرًا، وتحوّلت إلى رسالة مجتمعية تندد بالتنمّر وتدعو لاحترام الأطفال، مع مطالبة الإعلام بمراعاة الحساسية في التعامل مع الفئات الهشة عند إجراء المقابلات أو تقديم البرامج العائلية.
ظهور الطفلة ورد فعلها المفاجئ
في تطور لاحق، ظهرت الطفلة “رندة” في مقطع فيديو قصير نُشر يوم الخميس، تحدثت فيه عن الحادثة، مؤكدة أنها لم تنزعج من كلام والدتها، وقالت إن الكلمة قيلت في إطار “مزاح عادي داخل البيت”، وإنها معتادة على سماعها، نافية أي شعور بالإهانة. كما عبّرت عن عدم رغبتها في الظهور الإعلامي من البداية، ودعت الجمهور إلى “عدم تصديق كل ما يُنشر على الإنترنت”، في إشارة إلى بعض التحليلات المبالغ فيها، على حد تعبيرها.

جدل مستمر ورسائل تربوية
رغم أن ظهور رندة هدّأ بعض الأصوات الغاضبة، إلا أن الجدل لم ينتهِ تمامًا، حيث أكد مختصون أن التطبيع مع العبارات الجارحة داخل الأسرة قد يؤدي إلى تراكمات نفسية تظهر آثارها لاحقًا، ولو لم تبدُ واضحة في اللحظة نفسها. كما أشاروا إلى ضرورة التوعية المجتمعية بأهمية الكلمات، خاصة عندما تُقال في الفضاء العام، وأثرها في بناء أو هدم شخصية الطفل.

تحوّلت جملة قصيرة قيلت خلال لقاء عابر إلى قضية رأي عام في العراق، فتحت الباب لمناقشة أوسع حول التربية، والاحترام، والتنمر الأسري، وحدود المزاح داخل البيوت العراقية. وبين من يرى أن الحادثة “عادية”، ومن يعتبرها مؤشرًا على ضرورة التغيير، تبقى الرسالة الأهم هي: الكلمة قد تبدو بسيطة، لكنها قد تُحدث جرحًا عميقًا لا يُرى.
