أمريكا – السابعة الإخبارية
الذكاء الاصطناعي.. في عصر تتسارع فيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتغزو مختلف مجالات الحياة، باتت الاستشارات النفسية الرقمية باستخدام روبوتات الذكاء الاصطناعي واحدة من الاتجاهات الصاعدة، مدفوعة بإقبال متزايد من المستخدمين الباحثين عن الراحة النفسية والدعم الفوري.
لكن في مقابل هذا التوسع، تدق العديد من الدراسات ناقوس الخطر، مشيرة إلى أن هذا النوع من “العلاج الرقمي” لا يخلو من مخاطر قد تصل إلى التهديد المباشر لسلامة المرضى.
فوفقًا لدراسة حديثة صادرة عن جامعة ستانفورد الأمريكية، فإن استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة في السياق العلاجي النفسي قد يؤدي في بعض الحالات إلى استجابات غير ملائمة، أو حتى خطيرة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بحالات حساسة مثل الاكتئاب والانتحار.

عندما يصبح الذكاء الاصطناعي غير آمن نفسيًا
أبرز ما كشفته الدراسة هو ميل بعض روبوتات المحادثة إلى استخدام لغة تنطوي على وصم أو إصدار أحكام تجاه المرضى، وهو ما قد يفاقم من معاناة الشخص بدلاً من التخفيف عنها. كما أن هذه النماذج قد تقدم أحيانًا نصائح سطحية أو مضللة، تفتقر إلى الفهم العميق للسياق النفسي والاجتماعي للمستخدم، ما يجعلها غير مناسبة للتعامل مع التعقيدات الحقيقية التي يعيشها الإنسان.
السبب الرئيس في هذا القصور، كما تشير الدراسة، هو افتقاد هذه الروبوتات للوعي الإنساني، وللخبرة العاطفية والسياقية التي يتمتع بها الأخصائي النفسي البشري. فبينما يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل اللغة وتقديم إجابات منطقية، إلا أنه يعجز عن إدراك المشاعر بعمق أو التعامل مع المواقف الحرجة بحساسية حقيقية.
صعوبات التعامل مع الحالات المعقدة
من بين أبرز التحديات أيضًا، ضعف قدرة الذكاء الاصطناعي على فهم السياقات المعقدة أو المعاني غير المباشرة. فعلى سبيل المثال، في حال عبّر المستخدم عن مشاعر انتحارية بطريقة غير صريحة، قد لا يلتقط النظام تلك الإشارات أو يفهم خطورتها. في المقابل، يستطيع المعالج البشري المدرب أن يلاحظ النبرة، التعبيرات، والرموز النفسية غير المباشرة، ويتعامل معها على الفور.
المشورة المضللة والخصوصية تحت المجهر
وبالإضافة إلى المشكلات العاطفية والسياقية، فإن سوء الفهم اللغوي يمثل خطرًا قائمًا. قد يُساء تفسير ما يكتبه المستخدم، أو يتم الرد عليه بنصائح قد لا تلائم حالته، بل وربما تُفاقم من شعوره بالذنب أو التوتر.
كما تطرح هذه التطبيقات مخاوف جدية بشأن خصوصية البيانات، إذ يتطلب التفاعل مع هذه الروبوتات مشاركة معلومات شخصية وحساسة للغاية. وهنا، تظهر تساؤلات كبيرة: كيف تُخزّن هذه البيانات؟ من يمكنه الوصول إليها؟ وهل هناك ضمانات بعدم استخدامها لأغراض تجارية أو تسريبها في حال حدوث اختراقات أمنية؟

التحيزات الخفية: خطر لا يرى
من النقاط المثيرة للقلق أيضًا، ما يتعلق بـ التحيز في الخوارزميات. فالنماذج اللغوية تُدرّب على بيانات ضخمة من مصادر متنوعة، وإذا كانت تلك البيانات تحتوي على تحيزات اجتماعية أو ثقافية أو ديموغرافية، فقد تعكس الروبوتات هذه الانحيازات في ردودها. وقد يؤدي ذلك إلى تقديم استجابات غير عادلة أو مسيئة لأفراد من خلفيات معينة.
كيف نستخدم هذه التكنولوجيا بوعي؟
رغم هذه التحديات، لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم دعمًا مبدئيًا مفيدًا إذا تم استخدامه بحذر وتحت إشراف. وهنا بعض النصائح الهامة للمستخدمين:
اعتباره أداة مساعدة فقط: يجب ألا يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كبديل للمعالج النفسي البشري، بل كأداة مكملة قد تساعد في التمارين اليومية أو تتبع الحالة المزاجية.
تجنب مشاركة المعلومات الحساسة: يجب التعامل مع المنصة الرقمية بحذر، وعدم مشاركة تفاصيل شخصية عميقة قد تكون مصدرًا للابتزاز أو الانتهاك.
تحليل الردود بعقل ناقد: لا يجب أخذ أي نصيحة على أنها نهائية، فالمستخدم هو من يقيّم مدى ملاءمتها لحالته، ويُنصح دائمًا بمراجعة مختص إن كانت الحالة معقدة.
الابتعاد عنها في الأزمات النفسية: في حال المرور بأزمات حادة، يُمنع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، ويجب اللجوء فورًا إلى مختص أو جهة طبية.
التحقق من مصداقية المنصة: استخدام تطبيقات صادرة عن جهات موثوقة في الصحة النفسية يقلل من المخاطر المتعلقة بالأمان والموثوقية.
فهم الحدود التقنية للذكاء الاصطناعي: الروبوتات لا تملك وعيًا أو تجربة، وكل تفاعل معها يجب أن يُؤخذ ضمن هذا الإطار.
الحفاظ على العلاقات البشرية: لا ينبغي أن يحل التفاعل مع الروبوت محل التواصل مع الأسرة أو الأصدقاء، لأن الدعم البشري هو أساس التعافي النفسي.
يبدو أن الذكاء الاصطناعي سيظل لاعبًا مهمًا في مستقبل الصحة النفسية، لكن استخدامه يجب أن يكون واعيًا ومحددًا بدقة. فالتكنولوجيا، رغم قدراتها الهائلة، لا تستطيع أن تُحِل المشاعر الرقمية مكان الإنسانية، ولا أن تعوّض عن التعاطف الذي يشكّل جوهر العلاقة العلاجية.
يبقى الإنسان في النهاية، بما يمتلكه من إحساس وفهم وسياق، حجر الأساس في أي عملية نفسية ناجحة.
