أمريكا – السابعة الإخبارية
الذكاء الاصطناعي.. لم يعد الوجه مجرد مرآة تعكس ملامحنا وتعبيراتنا، بل أصبح بفضل ثورة الذكاء الاصطناعي بمثابة “خريطة حيوية” تكشف عن مؤشرات دقيقة حول صحتنا، أحيانًا أكثر مما يمكن أن يلاحظه الطبيب بالعين المجردة. ففي السنوات الأخيرة، تطورت خوارزميات تحليل الوجه لتصبح أداة تشخيصية فعّالة، قادرة على تقديم تقييمات صحية أولية وربما إنذار مبكر عن أمراض قبل ظهور أعراضها الواضحة.

الذكاء الاصطناعي: عمر بيولوجي… لا عمر زمني
من أبرز الأمثلة على هذا التوجه، خوارزمية FaceAge التي طوّرها باحثون في جامعة هارفارد، وهي أداة مبتكرة لا تكتفي بتقدير العمر الزمني للشخص، بل تحدد ما يُعرف بالعمر البيولوجي، أي العمر الذي يعكس حالة الجسم والصحة الفعلية للخلايا والأنسجة. الأبحاث بيّنت أن وجود فارق كبير بين العمرين يمكن أن يكون مؤشرًا على مخاطر صحية أو أمراض مزمنة.
من التشخيص إلى الوقاية
التطبيقات العملية لهذه التكنولوجيا لم تتوقف عند قياس العمر البيولوجي، بل امتدت إلى مجالات طبية متنوعة. فقد ظهرت تطبيقات قادرة على التعرف على علامات احتقان الأنف أو الحساسية الموسمية من خلال ملامح الوجه، وأخرى تراقب مؤشرات النعاس، لتصبح أداة مساعدة في تقليل حوادث الطرق عن طريق تنبيه السائقين قبل فقدان تركيزهم.
ابتكارات تتجاوز الفحص التقليدي
تطبيقات أخرى أكثر ابتكارًا بدأت في قياس شدة الألم، خاصة لدى المرضى غير القادرين على التعبير عن معاناتهم، مثل الأطفال أو كبار السن أو المصابين بإعاقات. كما تم استخدام تقنيات مشابهة لمراقبة مؤشرات التوحد، أو حتى متابعة حالات اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال، مما يقلل الحاجة إلى إعادة سرد التجارب المؤلمة، ويوفر تقييمًا موضوعيًا للحالة النفسية.

طفرة منذ 2022
منذ عام 2022، شهدت تقنية التعرف على الوجوه في المجال الطبي قفزة هائلة، مدعومة بالتقدم في الذكاء الاصطناعي وتطور صناعة الرقائق الإلكترونية التي جعلت المعالجة أسرع وأكثر دقة. هذا التقدم سمح بظهور أدوات طبية قادرة على تحليل آلاف النقاط في الوجه خلال ثوانٍ، لتوفير صورة شاملة عن الحالة الصحية.
تشخيص مبكر وتنبؤ بالمستقبل
اليوم، بات يُنظر إلى هذه التقنيات كأدوات قادرة على المساهمة في التشخيص المبكر لأمراض القلب والأوعية الدموية أو اضطرابات الجهاز التنفسي وحتى بعض أنواع السرطان. كما تُستخدم في تحسين خطط العلاج ومتابعة تقدم المريض بدقة، وصولًا إلى التنبؤ بمخاطر الوفاة المبكرة، بناءً على تغيرات دقيقة في ملامح الوجه على مدى الزمن.
وجهك… لوحة تحكم لصحتك
وفقًا للدكتور ريموند ماك، مبتكر تطبيق FaceAge، فإن هذه الخوارزميات لم تعد مجرد “تقنية ذكية” للعرض، بل أصبحت “علامة طبية حيوية” حقيقية يمكن الاعتماد عليها في قرارات الرعاية الصحية. ويشبّه ماك الوجه بلوحة تحكم معقدة، يمكن للأطباء قراءتها بسرعة للكشف عن التغيرات الفسيولوجية التي قد لا تظهر في التحاليل أو الفحوصات التقليدية إلا في مراحل متأخرة.

التحديات والاعتبارات الأخلاقية
ورغم هذا التقدم، فإن هناك تحديات يجب التعامل معها، أبرزها حماية خصوصية البيانات، وضمان عدم إساءة استخدام الصور والمعلومات الصحية. كما تثار أسئلة حول دقة النتائج في ظل التنوع الكبير في أشكال الوجوه والعوامل العرقية والبيئية التي قد تؤثر على التحليل. لكن المؤيدين للتقنية يرون أن هذه التحديات قابلة للحل من خلال معايير صارمة للبيانات واختبارات ميدانية واسعة.
المستقبل بين يديك… أو بالأحرى في وجهك
في ظل التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، قد يأتي يوم يصبح فيه التقاط صورة سيلفي كافيًا لإجراء فحص طبي أولي، أو متابعة خطة علاج، أو حتى التنبؤ بمشكلات صحية محتملة. وإذا كان الوجه يعكس اليوم مشاعرنا وتعبيراتنا، فإنه في المستقبل القريب قد يعكس أيضًا أدق تفاصيل حالتنا الصحية، ليصبح أداة يومية للرعاية الذاتية والوقاية.
بهذا، يتحول الوجه من مجرد بطاقة تعريف خارجية إلى سجل صحي حيّ، يقرأه الذكاء الاصطناعي بدقة متناهية، مقدّمًا للطب الحديث نافذة جديدة على الجسد الإنساني، حيث يلتقي العلم بالتكنولوجيا لرسم مستقبل أكثر وعيًا بصحتنا.
في ظل التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، قد يأتي يوم يصبح فيه التقاط صورة سيلفي كافيًا لإجراء فحص طبي أولي، أو متابعة خطة علاج، أو حتى التنبؤ بمشكلات صحية محتملة. وإذا كان الوجه يعكس اليوم مشاعرنا وتعبيراتنا، فإنه في المستقبل القريب قد يعكس أيضًا أدق تفاصيل حالتنا الصحية، ليصبح أداة يومية للرعاية الذاتية والوقاية.
بهذا، يتحول الوجه من مجرد بطاقة تعريف خارجية إلى سجل صحي حيّ، يقرأه الذكاء الاصطناعي بدقة متناهية، مقدّمًا للطب الحديث نافذة جديدة على الجسد الإنساني، حيث يلتقي العلم بالتكنولوجيا لرسم مستقبل أكثر وعيًا بصحتنا.