الإمارات السابعة الإخبارية
الذهب..شهدت أسواق المعادن النفيسة، اليوم الإثنين، تراجعًا واضحًا في أسعار الذهب متأثرة بارتفاع الدولار الأمريكي وتشدد الموقف النقدي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، إضافة إلى انحسار المخاوف التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ما دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم مراكزهم وتوقعاتهم المستقبلية حيال السياسة النقدية الأمريكية.
هبوط في المعاملات الفورية والآجلة
ففي بداية التعاملات، انخفض الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.8% ليسجل نحو 3968.76 دولارًا للأونصة، وهو أحد أدنى مستوياته خلال الأسابيع الأخيرة، كما تراجعت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر (كانون الأول) بنحو 0.5% لتصل إلى 3978.30 دولارًا للأونصة، بحسب بيانات الأسواق العالمية.
ويُعزى هذا التراجع إلى استمرار قوة الدولار الأمريكي الذي حافظ على استقراره بالقرب من أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر، مما جعل المعدن النفيس أكثر تكلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى، وبالتالي قلّص الطلب عليه من قبل المستثمرين غير الأمريكيين.

تصريحات باول تغيّر المزاج الاستثماري
ويأتي هذا الأداء الضعيف للذهب بعد تصريحات متشددة أدلى بها رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول الأسبوع الماضي، والتي بددت جزءًا من آمال الأسواق بشأن استمرار دورة خفض أسعار الفائدة في المدى القريب.
فبعد أن قرر البنك المركزي الأمريكي، يوم الأربعاء الماضي، خفض سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية للمرة الثانية هذا العام، ليصل إلى نطاق يتراوح بين 3.75% و4.00%، كان من المتوقع أن يتبع ذلك خفض إضافي في ديسمبر.
غير أن باول شدد في تصريحاته على أن “مسار السياسة النقدية سيعتمد كليًا على البيانات الاقتصادية المقبلة”، مؤكدًا أن الاقتصاد الأمريكي ما زال قويًا بما يكفي لتجنّب خطوات تيسيرية مفرطة.
هذه التصريحات دفعت المستثمرين إلى تقليص رهاناتهم على خفض جديد للفائدة، إذ أظهرت أداة “فيد ووتش” التابعة لمجموعة “سي إم إي” أن الأسواق باتت تتوقع بنسبة 71% فقط احتمال خفض الفائدة في ديسمبر، مقارنة بنحو 90% قبل تصريحات باول، وهو ما انعكس مباشرة على أسعار الذهب.
تراجع الطلب على الملاذات الآمنة
إلى جانب السياسة النقدية، تأثر الذهب أيضًا بانخفاض حدة التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وهو عامل آخر يقلل من جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن.
فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الخميس الماضي، أنه توصّل إلى اتفاق جزئي مع نظيره الصيني شي جين بينغ يقضي بخفض بعض الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية، مقابل التزام بكين بتشديد إجراءاتها ضد تجارة مادة الفنتانيل غير المشروعة، واستئناف مشتريات فول الصويا الأمريكي، وضمان استمرار صادرات المعادن النادرة إلى الأسواق الأمريكية.
وقد اعتُبرت هذه الخطوة مؤشرًا إيجابيًا على تهدئة الحرب التجارية التي استمرت لسنوات، ما شجّع بعض المستثمرين على التحول نحو الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم والسندات، وأضعف الطلب على الذهب.

تحركات المعادن الأخرى
لم يكن الذهب وحده المتأثر بتلك التطورات، إذ تراجعت أسعار المعادن النفيسة الأخرى بنسب متفاوتة.
فقد انخفضت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.5% لتسجل 48.41 دولارًا للأونصة، بينما تراجع البلاتين بنسبة 0.1% إلى 1566.40 دولارًا، وهبط البلاديوم بنسبة 0.6% إلى 1424.88 دولارًا.
ويُرجع محللون هذا التراجع الجماعي إلى التحسن النسبي في شهية المخاطرة لدى المستثمرين العالميين بعد بوادر الانفراج التجاري بين واشنطن وبكين، إلى جانب توقعات بارتفاع العوائد على السندات الأمريكية قصيرة الأجل.
مزيج من العوامل الضاغطة
يقول الخبير الاقتصادي مايكل هيوسون من مجموعة CMC Markets في تصريحات نقلتها وكالة رويترز، إن “الذهب يواجه حاليًا مزيجًا معقدًا من العوامل الضاغطة، أهمها قوة الدولار وغياب الوضوح بشأن اتجاه الفائدة الأمريكية”.
وأضاف أن “تصريحات باول أوقفت موجة التفاؤل التي غذّت مكاسب الذهب خلال الأشهر الماضية، بينما ساهم الهدوء التجاري في تقليص الإقبال على الأصول الدفاعية”.
في المقابل، يرى محللون آخرون أن التراجع الحالي قد يكون مؤقتًا، خصوصًا إذا ما ظهرت بيانات اقتصادية ضعيفة في الولايات المتحدة خلال الأسابيع المقبلة، أو إذا عادت التوترات الجيوسياسية إلى الواجهة، ما قد يدفع المستثمرين مجددًا إلى البحث عن ملاذات آمنة.
الذهب بين ضغوط الدولار وتوقعات الفائدة
ويُعتبر الذهب من الأصول التي تتحرك بعلاقة عكسية قوية مع الدولار الأمريكي، إذ يؤدي ارتفاع العملة الخضراء إلى زيادة كلفة اقتناء الذهب بالنسبة للمستثمرين في الخارج.
كما يُنظر إلى المعدن النفيس تقليديًا كوسيلة للتحوط من التضخم وانخفاض أسعار الفائدة، ما يجعله حساسًا جدًا لتوجهات السياسة النقدية الأمريكية.
وفي ضوء المستويات الحالية، يتوقع محللو الأسواق أن يبقى الذهب ضمن نطاق تقلب ضيق يتراوح بين 3900 و4050 دولارًا للأونصة في المدى القصير، إلى حين صدور بيانات التضخم والوظائف الأمريكية خلال الأسابيع المقبلة، التي قد تُعيد توجيه توقعات المستثمرين بشأن اجتماع الفيدرالي في ديسمبر.

توقعات المدى القريب
ورغم الضغوط الحالية، لا يزال العديد من المستثمرين يعتقدون أن الذهب يحتفظ بجاذبيته كاستثمار طويل الأجل، خاصة في ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي وتزايد المخاطر الجيوسياسية في بعض المناطق.
لكن حتى ذلك الحين، يبدو أن العملة الأمريكية هي الرابح الأكبر في هذه المرحلة، بينما يظل الذهب في موقع دفاعي، يترقب أي بوادر لتغيير النبرة المتشددة للفيدرالي الأمريكي أو عودة التوترات التجارية مجددًا إلى الواجهة.
