أمريكا – السابعة الإخبارية
سجلت أسعار الذهب العالمية، اليوم الأربعاء، قفزة تاريخية غير مسبوقة، مدفوعة بتزايد طلب المستثمرين على أصول الملاذ الآمن، في ظل تصاعد التوترات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى خلفية مؤشرات ضعف الاقتصاد الأمريكي، خاصة في قطاع التوظيف.
ففي تعاملات اليوم، ارتفع الذهب في السوق الفورية بنسبة 0.1% ليصل إلى 3861.99 دولار للأوقية (الأونصة)، بعد أن لامس أعلى مستوياته على الإطلاق عند 3875.32 دولار، وهو رقم قياسي لم يشهده المعدن الأصفر من قبل. كما سجلت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة، تسليم ديسمبر المقبل، زيادة قوية بنسبة 0.7% لتصل إلى 3901.40 دولار.
هذا الارتفاع الحاد في أسعار الذهب يعكس حالة القلق التي تسيطر على الأسواق العالمية، لا سيما بعد الإغلاق الرسمي للحكومة الأمريكية نتيجة استمرار الخلافات السياسية بين البيت الأبيض والكونغرس بشأن ملف التمويل.

أزمة سياسية تلوح في الأفق
دخلت الحكومة الأمريكية، صباح الأربعاء، مرحلة الشلل الجزئي بعد فشل الأطراف السياسية في التوصل إلى اتفاق يضمن استمرار تمويل المؤسسات الفيدرالية، مما دفع الآلاف من موظفي الحكومة إلى إجازة غير مدفوعة الأجر، في خطوة من المتوقع أن تُحدث شللاً جزئياً في الخدمات الأساسية، وتؤثر على الاقتصاد الوطني في حال استمرار الأزمة.
الخبير المالي نيكولاس فرابيل، المدير العالمي للأسواق المؤسسية في شركة “إيه.بي.سي”، أوضح أن الذهب يشهد ارتفاعًا مستمرًا نتيجة مزيج من العوامل، أبرزها “الضغوط السياسية في واشنطن، والقلق من تدهور قيمة الدولار، والمخاوف الجيوسياسية الأوسع نطاقاً”.
وأضاف فرابيل أن السوق تتجه حالياً نحو سيناريوهات أكثر تفاؤلاً لأسعار الذهب، مع توقعات بوصوله إلى 3900 دولار، بل وربما تجاوزه حاجز 4000 دولار في حال استمرار حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي.
بيانات اقتصادية ضعيفة تدفع نحو خفض الفائدة
وعلى الجانب الاقتصادي، كشفت بيانات حديثة صادرة عن وزارة العمل الأمريكية، عن تباطؤ طفيف في نمو فرص العمل خلال شهر أغسطس، إلى جانب تراجع في معدلات التوظيف. هذا الضعف في بيانات سوق العمل عزز من توقعات المستثمرين باتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) إلى خفض أسعار الفائدة، وهو عامل إضافي يدعم ارتفاع الذهب.
ويتوقع المتداولون حالياً أن يُقدم الاحتياطي الفيدرالي على خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال هذا الشهر، مع احتمالية خفض إضافي في ديسمبر، وهو ما يعزز من جاذبية الذهب باعتباره استثمارًا آمنًا في بيئة فائدة منخفضة، لا سيما وأن المعدن لا يدر عوائد مباشرة.
الذهب، الذي يُعد منذ قرون طويلة ملاذًا آمنًا في أوقات الاضطرابات الاقتصادية والسياسية، قد صعد هذا العام بنسبة تجاوزت 47%، وهو أداء استثنائي مقارنة ببقية فئات الأصول.

الأسواق العالمية تتأثر والدولار يتراجع
في الوقت ذاته، شهد مؤشر الدولار الأمريكي تراجعاً ملحوظاً، حيث استقر بالقرب من أدنى مستوياته خلال أسبوع، مما زاد من جاذبية الذهب المقوّم بالدولار، وجعله أقل تكلفة للمستثمرين من حاملي العملات الأخرى.
كما تراجعت العقود الآجلة للأسهم في بورصة وول ستريت، مع شعور عام بالحذر من التطورات السياسية في العاصمة واشنطن، ما يوضح تأثير الأزمة على الثقة بالاقتصاد الأمريكي في المدى القريب.
عطلة في الصين واستقرار في المعادن الأخرى
وفي آسيا، واصلت الأسواق الصينية – وهي أكبر مستهلك للذهب في العالم – إغلاقها بسبب عطلة مهرجان منتصف الخريف، على أن تستأنف نشاطها التجاري في التاسع من أكتوبر المقبل. ورغم غياب الصين عن التداولات، فإن الطلب العالمي على الذهب ظل مرتفعاً.
وبالنسبة لباقي المعادن النفيسة، ارتفعت أسعار الفضة بنسبة 1% لتصل إلى 47.09 دولار للأوقية، وهو أعلى مستوى تسجله منذ أكثر من 14 عامًا. في حين سجل البلاتين تراجعًا طفيفًا بنسبة 0.2% ليصل إلى 1570.85 دولار، وانخفض البلاديوم بنسبة 0.7% إلى 1248.45 دولار.
هل يستمر الارتفاع؟
في ظل الظروف الحالية، يبدو أن الذهب مرشح لمزيد من المكاسب، خاصة إذا طال أمد الإغلاق الحكومي الأمريكي، أو شهد الاقتصاد العالمي مزيداً من التباطؤ. ومع تزايد الرهانات على خفض الفائدة، فإن الاتجاه الصعودي للذهب لا يزال محتملًا بقوة.
في المقابل، فإن أي انفراج مفاجئ في الأزمة السياسية الأمريكية، أو صدور بيانات اقتصادية قوية، قد يعيد التوازن للأسواق، ويضغط على أسعار المعدن الأصفر. لكن إلى ذلك الحين، يبقى الذهب هو الرابح الأكبر في معادلة مليئة بالغموض والتوترات.
