السعودية – السابعة الإخبارية
هجرة.. في إنجاز جديد يضاف إلى رصيد السينما السعودية الصاعدة، أعلنت هيئة الأفلام السعودية رسميًا اختيار فيلم “هجرة“ لتمثيل المملكة في الدورة الـ98 من جوائز الأوسكار لعام 2026، ضمن فئة أفضل فيلم دولي، ليصبح بذلك أحدث إنتاج سعودي ينافس على واحدة من أرفع الجوائز في تاريخ السينما العالمية.
الاختيار جاء بعد عملية تقييم دقيقة أجرتها لجنة متخصصة تضم نخبة من صناع السينما والنقاد السعوديين، الذين أجمعوا على أن “هجرة” يُجسد نقلة نوعية في storytelling المحلي، بما يحمله من قصة إنسانية مؤثرة ورؤية إخراجية عميقة تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية.

رحلة فيلم سعودي إلى أضواء هوليوود
الفيلم الذي أخرجته شهد أمين، يُعد من أبرز الإنتاجات السعودية الحديثة التي استطاعت أن تحظى بإشادة واسعة من النقاد الدوليين، بعد عرضه في مهرجان البندقية السينمائي الدولي 2025، حيث نال جائزة NETPAC لأفضل فيلم آسيوي.
هذا الفوز لم يكن مجرد تكريم فني، بل تأكيد على المكانة الجديدة للسينما السعودية التي باتت قادرة على منافسة الإنتاجات العالمية، بما تملكه من قصص أصيلة وصور سينمائية آسرة تبرز التنوع الثقافي والاجتماعي في المملكة.
وتأتي مشاركة “هجرة” في سباق الأوسكار لتكون ثالث مشاركة رسمية للسعودية في تاريخها السينمائي الحديث ضمن فئة أفضل فيلم دولي، ما يعكس حجم الطموح الذي تحمله صناعة السينما في المملكة للوصول إلى أرفع المنصات العالمية.
قصة إنسانية تحمل أبعادًا روحية واجتماعية
تدور أحداث فيلم “هجرة” حول رحلة ثلاث نساء سعوديات من أجيال مختلفة ينطلقن نحو مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، لكن رحلتهن تتحول إلى تجربة إنسانية مؤلمة عندما تختفي “سارة” قبل الوصول إلى مكة، لتبدأ الجدة وحفيدتها رحلة بحث مليئة بالمشاعر والتحديات تكشف عن أسرار عائلية عميقة وتناقضات بين الأجيال.
الفيلم لا يقتصر على كونه قصة عن الفقد والبحث، بل يُسلّط الضوء على التحولات الاجتماعية والفكرية التي تعيشها المرأة السعودية، وكيف تتقاطع مفاهيم الدين والحياة والحرية عبر أجيال مختلفة.
وبأسلوب بصري شاعري، استخدمت المخرجة شهد أمين الرمزية والضوء والظلال لخلق عالمٍ بصري يجمع بين القداسة الإنسانية والواقعية القاسية، مما جعل الفيلم أقرب إلى تجربة تأملية في معنى الإيمان والهوية والارتباط بالوطن.

بطولة جماعية بروح واحدة
ضم الفيلم مجموعة من النجوم السعوديين الشباب والمخضرمين، من بينهم نواف الظفيري، خيرية نظمي، لمار فادن، براء عالم، رغد بخاري، وعبد السلام الحويطي.
قدّم هؤلاء الممثلون أداءً إنسانيًا عميقًا اتسم بالصدق والعفوية، مما منح الفيلم طابعًا واقعيًا مؤثرًا يلامس وجدان المشاهد. وأشاد النقاد بالانسجام الكبير بين الممثلين والقدرة على تجسيد العلاقات المعقدة بين الأجيال الثلاثة من النساء، في قصة تجمع بين القوة والضعف، والأمل واليأس، والإيمان والتساؤل.
طريق طويل نحو الأوسكار
من المقرر أن يخوض فيلم “هجرة” مراحل متعددة من المنافسة ضمن فئة أفضل فيلم دولي، تبدأ بإدراجه في القائمة الطويلة التي تضم عشرات الأفلام من مختلف أنحاء العالم، ثم التصفية إلى القائمة القصيرة، وصولًا إلى لحظة الإعلان عن المرشحين النهائيين الذين سيُعلن عنهم قبل حفل توزيع جوائز الأوسكار في مارس 2026 على مسرح دولبي الشهير بمدينة لوس أنجلوس.
وبينما تشتد المنافسة بين الإنتاجات العالمية الكبرى، يرى النقاد أن “هجرة” يمتلك فرصة حقيقية للتميز بفضل فرادة موضوعه وعمق رسالته الإنسانية التي تتجاوز الثقافة المحلية لتلامس مشاعر الجمهور في كل مكان.
نقلة نوعية في مسار السينما السعودية
اختيار “هجرة” لتمثيل السعودية في الأوسكار لا يأتي بمعزل عن التحولات الكبرى التي تشهدها صناعة السينما السعودية خلال السنوات الأخيرة، في ظل الدعم الحكومي الكبير الذي تقدمه هيئة الأفلام ووزارة الثقافة.
فمنذ إعادة فتح دور العرض عام 2018، قطعت المملكة شوطًا طويلًا نحو بناء صناعة سينمائية متكاملة تشمل الإنتاج والتوزيع والتعليم السينمائي، مع التركيز على رواية القصص المحلية برؤية عالمية.
ويؤكد محللون أن هذه الخطوة تعكس نضج التجربة السينمائية السعودية، التي لم تعد تكتفي بالمشاركة في المهرجانات، بل تسعى اليوم إلى صناعة تأثير عالمي حقيقي في أكبر محافل الفن السابع.
“هجرة”.. فيلم يحمل هوية الوطن وصوت الإنسان
في النهاية، يمثل فيلم “هجرة” أكثر من مجرد إنتاج سينمائي؛ فهو رسالة من قلب السعودية إلى العالم، تحمل في طياتها صوت المرأة، وعمق الروح، وجمال الأرض المقدسة، وتُعيد تعريف السينما السعودية كجسر للتواصل الإنساني والثقافي.
ومع كل جائزة وترشيح، تقترب المملكة خطوة إضافية نحو تحقيق رؤية 2030 التي تجعل من الثقافة والفنون ركيزة أساسية في التنمية الوطنية.
ويبقى السؤال الآن: هل ينجح “هجرة” في كتابة فصل جديد من تاريخ السينما العربية على منصة الأوسكار؟
