الشارقة – السابعة الاخبارية
الشارقة للكتاب، في قلب الفعاليات الثقافية الثرية التي يحتضنها معرض الشارقة للكتاب في دورته الـ44، اجتمع الأدب والدراما في جلسة حوارية مميزة حملت عنوان «من الصفحة إلى الشاشة: كيف تتحول الكلمات إلى مشاهد تبهر العالم»، لتناقش واحدة من أكثر القضايا الفنية راهنية: كيف تتحول الرواية إلى عمل درامي ناجح دون أن تفقد روحها؟
شارك في الجلسة تامر سعيد، مدير وكالة الشارقة الأدبية، والمنتجة لمى الصبّاح، والكاتبة والسيناريست نادين جابر، وأدارها نخبة من المتخصصين في المجال الإبداعي، بحضور جمهور غفير من المهتمين بالأدب والفن وصناعة المحتوى البصري.
الجلسة لم تكن مجرد نقاش فني، بل حوارًا حول هوية الدراما العربية في زمن العولمة والمنصات الرقمية، وضرورة أن تعكس الفنّ الحقيقي لا مجرد الاستعراض.
الشارقة للكتاب.. الإبداع سلسلة متصلة.. لا انفصال بين الرواية والدراما
استهل تامر سعيد النقاش بتأكيد أن العلاقة بين الرواية والعمل الدرامي ليست علاقة تنافس أو استنساخ، بل هي امتداد طبيعي لعملية الإبداع.
وأوضح أن الرواية تُعدّ الأصل الفكري، بينما الدراما هي الشكل البصري الذي ينقل الفكرة إلى جمهور أوسع، مضيفًا أن تحويل النص الأدبي إلى مشاهد مرئية ليس ترجمة ميكانيكية، بل إعادة خلق فني بلغة الصورة.
وأشار سعيد إلى أن الدور المحوري في هذه العملية يقوم به الوكيل الأدبي، الذي يعدّ همزة الوصل بين الكاتب والمنتج، ويضمن أن يتم التحويل بطريقة احترافية تحافظ على حقوق المؤلف من جهة، وعلى جودة العمل الدرامي من جهة أخرى.
فالوكيل الأدبي، كما وصفه، ليس مجرد وسيط قانوني أو تجاري، بل هو قارئ ومحرر ومكتشف مواهب ومستشار استراتيجي، يسهم في تطوير النصوص لتكون أكثر قابلية للتحوّل إلى أعمال درامية ناجحة.

الوكيل الأدبي.. جسر بين الأدب والصناعة
أكد تامر سعيد أن صناعة الدراما اليوم أصبحت نظامًا اقتصاديًا متكاملًا يتطلب حوكمة واضحة للعلاقات بين الأطراف الثلاثة: الكاتب، والوكيل، والمنتج.
فبدون وجود وكالات أدبية محترفة، تضيع الكثير من الحقوق وتتعثر المشاريع، لأن الكاتب غالبًا لا يمتلك الخبرة الكافية للتعامل مع الشركات المنتجة أو المنصات العالمية.
وأشار إلى أن الجمهور الدرامي يفوق جمهور القراء بمئات المرات، ما يجعل من تحويل الروايات إلى أعمال درامية فرصة لتوسيع أثر الأدب العربي عالميًا، بشرط أن يتم التحويل بوعي وفهم عميق لروح النص وليس بطريقة تجارية أو استهلاكية.
وأضاف:“الوكيل الأدبي الناجح لا يبحث فقط عن التعاقد، بل عن القيمة. إنه شريك في الرؤية، يسعى لأن يرى العمل الأدبي يعيش في ذاكرة المشاهدين كما عاش في وجدان القرّاء.”
لمى الصبّاح: تحويل الرواية مسؤولية مضاعفة
من جانبها، تحدثت المنتجة لمى الصبّاح عن تجربة تحويل النصوص الأدبية إلى أعمال درامية، مؤكدة أن هذا النوع من الإنتاج هو الأصعب والأكثر حساسية في مجال الفن المرئي.
وقالت إن المنتج حين يقرر اقتباس رواية، فإنه يتحمل مسؤولية مزدوجة: الحفاظ على روح الكاتب من جهة، وتقديم عمل مشوق بصريًا قادر على مخاطبة المشاهد من جهة أخرى.
وأوضحت الصبّاح أن تحويل الرواية إلى سيناريو يعني اختصار مئات الصفحات إلى مشاهد محدودة دون الإخلال بالمضمون، وهي عملية معقدة تتطلب وعيًا دراميًا عميقًا وفريقًا متكاملًا من الكتّاب والمخرجين والمستشارين الأدبيين.
وأضافت أن الدراما العربية مطالبة اليوم بأن تعبّر عن واقع الناس بصدق، بعيدًا عن المبالغات والمشاهد الحالمة، مشيرة إلى أن الجمهور أصبح أكثر وعيًا وقدرة على التمييز بين الصدق الفني والزيف البصري.
وقالت في حديثها: “المشاهد العربي يريد أن يرى نفسه في الشاشة، يريد قصصًا تشبهه، لا حكايات بعيدة عن واقعه. نجاح العمل الفني مرتبط بمدى صدقه مع الناس، لا بعدد المشاهد أو كلفة الإنتاج.”
الدراما.. مرآة المجتمع وصوت الناس
تطرقت الصبّاح إلى التحولات التي شهدتها صناعة الدراما بعد جائحة كورونا، مشيرة إلى أن الدراما أصبحت الوسيلة الأقرب للتفاعل مع المجتمع بعد تراجع السينما.
فهي – بحسب وصفها – لم تعد مجرد وسيلة ترفيه، بل أداة للتعبير عن الهوية الثقافية والتجربة الإنسانية، ومجالًا لتوثيق الواقع الاجتماعي والسياسي والنفسي للشعوب العربية.
وأكدت أن المنتج الواعي لا يبحث عن العمل التجاري السريع، بل عن القصة التي تبقى خالدة في الذاكرة، معتبرة أن الأعمال المقتبسة من روايات قوية تمتلك فرصة أكبر للبقاء، لأنها تنطلق من نصوص تأسست على العمق والصدق، لا على التكرار.
ندين جابر: الكاتب يعيش كل الحيوات التي يكتبها
بدورها، قدّمت الكاتبة والسيناريست نادين جابر رؤية مغايرة من داخل غرفة الكتابة نفسها، حيث يعيش الكاتب كل لحظات التحول بين الورق والشاشة.
وقالت إن الكاتب حين يكتب، يعيش الحالات النفسية لكل شخصية بعمق، فيتقمصها كما لو كانت حقيقية.
“ربما لا أكون شريرة في حياتي، لكني أعيش تجربة الشرير حين أكتبه”، قالت جابر مبتسمة، لتوضح أن الكتابة ليست مهنة سهلة بل تجربة نفسية معقدة تتطلب التقمص والصدق في التعبير.
وأضافت أن الكتابة للمرأة تمنحها مساحة إبداعية واسعة، لأنها تفهم مشاعرها وأحاسيسها، وتستطيع التعبير عنها بعمق بعيدًا عن القوالب النمطية.
وأكدت أن الجرأة في الطرح لا تعني تجاوز الحدود، بل الالتزام بالصدق الفني والإنساني، لأن الصدق هو ما يجعل المشاهد يتفاعل مع النص ويتذكره.
بين الأدب والدراما.. توازن الفن والمسؤولية
أجمعت آراء المشاركين على أن العلاقة بين الأدب والدراما ليست علاقة استغلال، بل تبادل وتأثير متبادل، حيث يغذي كل منهما الآخر.
فالأدب يمنح الدراما عمقها الإنساني والفكري، بينما تمنح الدراما الأدب فرصة للانتشار والخلود في ذاكرة الأجيال.
كما شدد المتحدثون على أن الدراما العربية مطالبة بأن تستعيد دورها الاجتماعي في طرح القضايا الواقعية بجرأة ومسؤولية، بعيدًا عن التزييف والمبالغة، وأن تكون صوت الناس لا مرآة للترف.
الوكالات الأدبية.. مستقبل العلاقة بين الفن والفكر
خلصت الجلسة إلى أن تأسيس وكالات أدبية محترفة في العالم العربي أصبح ضرورة، لأنها تنظم العلاقة بين الكاتب والفنان والمنتج، وتضمن حقوق الملكية الفكرية، وتشجع على التعاون الإبداعي المتكامل.
ففي ظل التحولات الرقمية وتوسع المنصات، لم يعد من الممكن ترك الكاتب وحيدًا في مواجهة السوق، بل يجب أن يرافقه نظام مؤسسي يحمي فنه ويطوره.

من الشارقة.. رسالة إلى العالم: الأدب لا يموت حين يتحول
في ختام الجلسة، خرج الحضور برسالة ملهمة مفادها أن تحويل الرواية إلى دراما ليس فقدانًا للنص، بل حياة جديدة له.
فعندما تنتقل الكلمات من الصفحة إلى الشاشة، فهي لا تفقد معناها، بل تكتسب لغة جديدة تصل بها إلى جمهور أوسع وأثر أعمق.
ومن منصة معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي يجمع بين الفكر والفن في فضاء واحد، تتجدد الدعوة إلى تعاون صادق بين الأدباء والمنتجين والوسطاء الثقافيين لبناء جسر مستدام بين الكلمة والصورة، بين الحكاية والإنسان، بين الخيال والواقع.
كلمة أخيرة: الكلمة لا تذوب في الضوء، بل تزداد بريقًا
في زمنٍ تتقاطع فيه الوسائط وتتسارع فيه الصورة، يبقى الأدب هو النبض الأول لكل دراما ناجحة، والدراما هي الامتداد الطبيعي لرحلة الكلمة نحو الخلود.
وحين يلتقي الكاتب والوكيل والمنتج في رؤية مشتركة، تتحول الصفحات إلى مشاهد تبهر العالم، وتبقى القصة حية مهما تغيّرت الشاشات.
