مصر – السابعة الإخبارية
حسن الشافعي.. أثار الملحن والموزع الموسيقي حسن الشافعي جدلًا واسعًا خلال الساعات الماضية، بعد أدائه مقطعًا مستوحى من التراث اليمني المعروف باسم «زامل»، وذلك في حفله الأخير بالساحل الشمالي. وبمجرد تداول المقطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اشتعلت ردود الأفعال المتباينة، إذ اعتبر قطاع واسع من الجمهور أن هذا المقطع قد يحمل أبعادًا سياسية خطيرة، خصوصًا بعدما استُخدم من قِبل جماعة الحوثي كشعار دعائي مرتبط بالحرب والعنف.
بداية الأزمة
المقطع الذي أداه الشافعي في إطار مشروعه الموسيقي الجديد كان يهدف – حسبما أوضح – إلى دمج التراث العربي الشعبي مع الموسيقى الإلكترونية الحديثة لتقديم صيغة فنية جديدة تصل إلى الجمهور العالمي. غير أن الصدفة قادته إلى اختيار قصيدة يمنية تقليدية تم استغلالها في السنوات الأخيرة من قبل جماعة الحوثي، الأمر الذي وضعه في مرمى الانتقادات.
الجمهور لم يتأخر في الهجوم، واعتبر كثيرون أن الفن لا يمكن أن يُفصل عن سياقه السياسي، وأن أي عمل فني قد يحمل في طياته رسائل غير مباشرة، خاصة حين يرتبط بكلمات ذات استخدامات أيديولوجية أو دعائية.

رد فعل حسن الشافعي
بعد تصاعد الجدل، خرج حسن الشافعي سريعًا بفيديو نشره عبر حسابه على منصة “إنستجرام”، أوضح فيه أنه لم يكن على علم بالخلفية السياسية أو العسكرية للنص الذي أداه. وأكد أن دافعه كان فنيًا بحتًا، وأن اختياره للقصيدة جاء ضمن مشروع موسيقي يهدف إلى التعريف بالتراث العربي وإعادة تقديمه في صورة عصرية.
الشافعي قدّم اعتذارًا مباشرًا للجمهور، واصفًا ما حدث بأنه “سوء تقدير” غير مقصود. كما أعلن عن حذف المقطع من حساباته الرسمية، مؤكدًا أنه لا يقبل بأي حال أن يرتبط اسمه أو مشروعه الفني بأي مضمون يُستغل للترويج للعنف أو الحرب.
نحو مشروع جديد يحمل رسالة إنسانية
ولإزالة أي لبس قد يحدث مستقبلًا، أوضح حسن الشافعي أنه بصدد إعادة صياغة مشروعه الموسيقي، بحيث تكون النصوص المختارة خاضعة لتحليل دقيق من قِبل مختصين في الثقافة والتاريخ، للتأكد من خلوها من أي دلالات سياسية أو دعائية.
كما شدّد على أن هدفه الأساسي هو تقديم أعمال فنية تدعو إلى السلام والمحبة والتعايش الإنساني، بعيدًا عن أي صراعات أو انتماءات ضيقة. ووجّه الشكر لكل من قدّم له النصح والإرشاد بخصوص هذه الأغنية، متعهدًا بأن تكون خطواته المقبلة أكثر وعيًا وانتقاءً.
موقف جمعية المؤلفين والملحنين
من جانبه، أصدر الفنان مدحت العدل، رئيس جمعية المؤلفين والملحنين، بيانًا أكد فيه أن الجمعية لن تتخذ أي إجراءات عقابية ضد حسن الشافعي، موضحًا أن ما قام به لم يكن بدافع سياسي أو أيديولوجي. وأشار العدل إلى أن نوايا الشافعي كانت فنية خالصة، وأن ما حدث يمكن اعتباره خطأ غير مقصود في اختيار النص، وليس محاولة للترويج لأي جماعة أو فكر متطرف.
هذا الموقف الرسمي جاء ليهدئ من حدة الجدل، حيث اعتبره البعض بمثابة شهادة براءة للملحن الشاب الذي طالما ارتبط اسمه بمشروعات موسيقية متجددة لا علاقة لها بالسياسة.

ما هو «الزامل»؟
«الزامل» في أصله هو نوع من القصائد الشعبية اليمنية القديمة، يُؤدى بشكل جماعي ويرتبط بالتراث والفلكلور. وتتنوع موضوعاته بين الفخر والشجاعة والتلاحم الاجتماعي، إلا أن بعض الجماعات السياسية استغلته مؤخرًا في سياقات دعائية وتحريضية، خصوصًا جماعة الحوثي التي وظفته كشعار يرافق مقاطع الفيديو الحربية والخطابات التعبوية.
وبالتالي، ورغم أن النص الأصلي لا يحمل بالضرورة معنى سياسيًا مباشرًا، فإن ارتباطه في الوعي العام مؤخرًا بتلك الجماعة جعل ظهوره في أي عمل فني يثير الحساسية والجدل.
الفن بين الحرية والمسؤولية
أزمة حسن الشافعي تطرح سؤالًا مهمًا حول مسؤولية الفنان في اختيار مادته الفنية. فالفن بطبيعته مساحة حرية وإبداع، لكنه في الوقت نفسه لا ينفصل عن الواقع الاجتماعي والسياسي، ما يعني أن أي عمل قد يُفهم أو يُفسَّر بطريقة مختلفة عمّا قصده صاحبه.
وفي حالة الشافعي، ورغم أن نواياه كانت خالصة للفن، فإن الجمهور نظر إلى السياق الأوسع للكلمات، وهو ما يعكس حجم التأثير الذي قد تحمله الأعمال الفنية حتى وإن بدت للوهلة الأولى بعيدة عن السياسة.
أثر الأزمة على صورة حسن الشافعي
رغم الجدل الكبير، فإن طريقة تعامل الشافعي مع الأزمة – من خلال الاعتراف بخطأ غير مقصود، وتقديم اعتذار مباشر وسريع، وإعلان خطوات عملية لتصحيح المسار – قد ساعدت على الحد من تفاقم الموقف. كثير من جمهوره اعتبروا أن الاعتراف بالخطأ والاعتذار سلوك نادر في الوسط الفني، مما أعاد بعض الثقة في شخصه كمبدع مسؤول.
يمكن القول إن أزمة «الزامل» التي واجهها حسن الشافعي لم تكن مجرد خطأ في اختيار نص، بل كانت درسًا فنيًا وثقافيًا مهمًا، يوضح أن الفن لا يعيش في فراغ، وأن أي عمل يحمل معه حمولة اجتماعية وسياسية قد تؤثر في تلقيه.
الشافعي، بخبرته ووعيه، نجح في امتصاص الصدمة سريعًا، وحوّلها إلى فرصة لإعادة التفكير في مشروعه الموسيقي ليكون أكثر وعيًا ومسؤولية. وإذا كان الفن رسالة إنسانية، فإن القادم من أعماله – بحسب وعوده – سيكون مكرّسًا لدعم قيم السلام، الحب، والمحبة بين البشر، وهو ما يحتاجه العالم في ظل الظروف الراهنة.
