فرنسا – السابعة الإخبارية
ريمي. تحولت قضية غير متوقعة في فرنسا إلى قصة رأي عام تشغل مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بعد أن أصدرت محكمة فرنسية حكمًا يقضي بفرض غرامة مالية تتجاوز 1300 دولار أمريكي على سيدة بسبب تصرفات قطها “ريمي”، الذي وُصف مازحًا في الصحف الفرنسية بأنه “القط الأكثر جدلاً في أوروبا”.
حكاية بدأت من حديقة
تعود القصة إلى مدينة أجد (Aigues-Vives) جنوبي فرنسا، حيث تتهم سيدة تُدعى دومينيك فالديز بترك قطها “ريمي” يتجول بحرية في الحي السكني، مما تسبب — بحسب شكاوى الجيران — في إحداث أضرار مادية داخل حديقتهم الخاصة.
ووفقًا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية، فقد تبين من التحقيقات أن القط تبول على لحاف الجيران، وتغوّط في الحديقة، وترك آثار أقدام على الجدران، وهو ما دفعهم إلى رفع دعوى قضائية ضد صاحبته للمطالبة بتعويض عن الأضرار التي أحدثها هذا “الزائر الدائم”.

حكم قضائي غير مألوف
في يناير/كانون الثاني الماضي، أصدرت المحكمة حكمها الأولي ضد السيدة فالديز، وألزمتها بدفع 510 دولارات أمريكية كتعويض عن الأضرار، إضافة إلى 900 دولار أتعابًا للمحاماة.
لكن المفاجأة كانت في بند إضافي غير مسبوق تضمنه الحكم، يقضي بفرض غرامة قدرها 33 دولارًا عن كل مرة يعبر فيها القط سور الحديقة مجددًا إلى منزل الجيران.
وسرعان ما انتشرت تفاصيل القضية على المنصات الفرنسية ومواقع الأخبار العالمية، لتثير مزيجًا من الدهشة والسخرية، حيث اعتبر البعض أن فرنسا، التي تشتهر بدقة قوانينها المدنية، باتت الآن تُحاسب القطط على “جرائمها البيئية”.
عودة المتهم إلى مسرح الجريمة
ورغم التحذيرات والعقوبات المفروضة، لم تَطُل طاعة “ريمي”، إذ تبيّن مؤخرًا أنه تسلل مرة أخرى إلى الحديقة نفسها، ما أثار غضب الجيران ودفعهم إلى رفع دعوى جديدة ضد السيدة فالديز.
وبحسب القرار القضائي المحدث، يُنتظر أن تمثل فالديز أمام المحكمة مجددًا في ديسمبر/كانون الأول المقبل، حيث قد تواجه فاتورة جديدة تصل قيمتها إلى نحو 2240 دولارًا، في حال تكرار “المخالفات القططية” المنسوبة إلى ريمي.
قطة تثير جدلاً مجتمعياً
القضية أثارت تفاعلاً واسعًا في الشارع الفرنسي وبين مستخدمي الإنترنت، إذ انقسمت الآراء بين مؤيد للجيران الذين طالبوا بحقهم في الخصوصية، وبين من اعتبر أن ما يحدث مبالغة قانونية ضد حيوان بريء يتصرف وفق طبيعته.
وعلّق أحد مستخدمي منصة “إكس” (تويتر سابقًا) ساخرًا:”ريمي هو أول قط في التاريخ يواجه حكمًا قضائيًا بسبب التجوال الحر.. ربما يحتاج الآن إلى محامٍ متخصص في القضايا الحيوانية!”
بينما كتب آخر:”لو كان هذا القط يعيش في مصر أو إيطاليا، لكان محبوب الحي.. لكن في فرنسا، يبدو أن القانون لا يعرف المزاح.”
دفاع من جمعيات الرفق بالحيوان
دخلت جمعيات حماية الحيوانات في فرنسا على خط القضية، معلنة تضامنها مع السيدة فالديز وقطها، معتبرة أن العقوبة تمثل سابقة خطيرة في التعامل مع الحيوانات الأليفة.
وقال غيّوم سانشيز، مدير جمعية حماية الحيوانات الفرنسية، في تصريحات لصحيفة “لو باريزيان”:”القطط المنزلية لديها حاجة فطرية لاستكشاف محيطها، فهي لا تفهم حدود الملكية الخاصة كما يفعل البشر. وإذا أصبحت مثل هذه القضايا سابقة قانونية، فقد نشهد تراجعًا كبيرًا في عمليات تبنّي الحيوانات في فرنسا.”
وأضاف سانشيز أن مثل هذه القوانين “تجعل من تربية الحيوانات عبئًا قانونيًا”، داعيًا السلطات إلى “وضع ضوابط أكثر إنسانية تراعي الطبيعة السلوكية للقطط”.

القانون الفرنسي بين المنطق والجدل
من الناحية القانونية، يؤكد محامون أن القانون المدني الفرنسي يمنح المتضررين حق المطالبة بالتعويض عن أي ضرر، حتى لو كان سببه حيوان أليف، شرط أن يكون هناك دليل على مسؤولية المالك.
لكن كثيرين رأوا أن تغريم صاحبة القط بمئات الدولارات عن سلوك طبيعي لحيوان صغير هو أمر مبالغ فيه، ويعكس ما وصفوه بـ”الصرامة البيروقراطية الفرنسية”.
وقال المحامي الفرنسي لوران دوما في تصريح لمجلة “لوبوان”:”القضية رمزية أكثر منها قانونية. صحيح أن الجيران لهم حق في حماية ممتلكاتهم، لكن فرض غرامة عن كل عبور للقط قد يفتح الباب أمام مئات الدعاوى المماثلة مستقبلاً.”
من قضية قانونية إلى ظاهرة اجتماعية
في غضون أيام، تحولت قصة “ريمي” إلى ترند على مواقع التواصل الفرنسية، حيث شارك المستخدمون صوره وتعليقاته الساخرة، وظهر وسم #JusticeForRemi (العدالة لريمي) ضمن قائمة الوسوم الأكثر تداولًا في فرنسا.
كما كتب أحد الصحفيين في صحيفة “لوفيغارو”:”بين قضايا السياسة والاقتصاد، لا شيء يوحّد الفرنسيين هذه الأيام أكثر من قصة قط يُحاكم على فضوله المفرط.”
بين الدعابة والتفكير الجاد
ورغم الطابع الكوميدي الذي اتخذته القضية، إلا أنها أثارت نقاشًا جادًا حول العلاقة بين الإنسان والحيوان في المدن الأوروبية، حيث تتزايد القيود على تربية الحيوانات الأليفة في الشقق والضواحي السكنية.
وبينما ينتظر الفرنسيون جلسة ديسمبر المقبلة لمعرفة مصير السيدة فالديز وقطها “ريمي”، يبدو أن الأخير — من دون قصد — قد أصبح رمزًا جديدًا للجدل بين الحرية والمسؤولية في الحياة المدنية الحديثة، و”أشهر قط في فرنسا” بعد أن تحوّل من مجرد زائر مزعج إلى أيقونة للرأي العام.

