الإمارات – السابعة الإخبارية
القمر.. في خطوة تُعد علامة فارقة في مسيرة التعاون العربي في مجال الفضاء، أعلنت وكالة الإمارات للفضاء عن نجاح القمر الاصطناعي العربي “813” في اجتياز مرحلتي مراجعة جاهزية الإطلاق (FRR) ومراجعة الجاهزية التشغيلية (ORR) بنجاح تام، مؤكدةً استعداده الكامل للانطلاق إلى مداره والعمل بكفاءة وموثوقية عالية خلال الفترة المقبلة.
ويأتي هذا الإنجاز تتويجًا لسنوات من العمل الدؤوب والتعاون العلمي بين مجموعة من الكفاءات الإماراتية والعربية، بقيادة المركز الوطني لعلوم وتكنولوجيا الفضاء في جامعة الإمارات العربية المتحدة، الذي تولى تصميم وتنفيذ جميع الاختبارات الفنية داخل بنية تحتية وطنية متطورة، بما يعكس مدى التقدم الذي حققته الدولة في قطاع الفضاء خلال فترة وجيزة.

رمز للتعاون العربي في الفضاء
القمر الاصطناعي “813” لا يُعتبر مشروعًا إماراتيًا فحسب، بل يمثل مشروعًا عربيًا مشتركًا يهدف إلى تعزيز مكانة الدول العربية في مجال علوم الفضاء والاستشعار عن بعد. وقد أُطلق عليه اسم “813” تكريمًا لعام 813 ميلاديًا، الذي شهد ازدهار بيت الحكمة في بغداد، رمزًا للتعاون العلمي والحضاري العربي في العصور الذهبية، ليعود الاسم اليوم حاملاً رسالة جديدة من الوحدة والمعرفة والتطور التكنولوجي.
وتُعد وكالة الإمارات للفضاء الجهة المشرفة والمنسقة لهذا المشروع الذي يضم علماء ومهندسين من مختلف الدول العربية، في مبادرة فريدة تهدف إلى بناء قاعدة بيانات طيفية موحدة تخدم جهود التنمية المستدامة، ومراقبة التغيرات البيئية، ودعم اتخاذ القرار المبني على الأدلة العلمية الدقيقة.
قدرات وطنية.. وإنجازات علمية
وأكدت وكالة الإمارات للفضاء في بيان رسمي أن هذا النجاح يعكس المستوى المتقدم الذي بلغته الكفاءات الوطنية في مجالات التصميم الهندسي، وتحليل البيانات، والتشغيل الفضائي، موضحة أن جميع مراحل الاختبار تمت داخل مرافق وطنية متقدمة، ما يبرهن على جاهزية الدولة لقيادة مشاريع فضائية إقليمية وعالمية.
وأضافت الوكالة:”اليوم، تبدأ مرحلة جديدة من التعاون الفضائي العربي، مع إتاحة بيانات طيفية عالية الدقة من القمر الاصطناعي العربي 813، والتي ستدعم الحكومات والباحثين والمؤسسات في العالم العربي في تطوير حلول مبتكرة، واتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة، بما يسهم في تعزيز الاستدامة وتمكين التنمية القائمة على المعرفة والتكنولوجيا الفضائية.”
أهداف تنموية واستدامة بيئية
يهدف القمر العربي 813 إلى توفير بيانات طيفية عالية الدقة تساعد على مراقبة التغيرات البيئية والمناخية في المنطقة، مثل معدلات التصحر، والتغيرات في الغطاء النباتي، وجودة المياه، والملوثات الجوية، ما يجعل منه أداة استراتيجية لدعم الجهود الوطنية والإقليمية في حماية البيئة وتحقيق الأمن الغذائي.
كما تسعى الدول المشاركة في المشروع إلى توظيف هذه البيانات في دعم التخطيط الحضري، وإدارة الموارد الطبيعية، وتطوير البنية التحتية المستدامة، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة 2030 التي تتبناها الأمم المتحدة، ويعزز من مساهمة العالم العربي في الجهود الدولية لمواجهة تحديات المناخ.

تمكين البحث العلمي العربي
واحدة من أبرز مخرجات هذا المشروع تكمن في إتاحة بيانات القمر الاصطناعي للجامعات ومراكز البحوث العربية، لتمكين الباحثين من الاستفادة من الصور الطيفية في مجالات الزراعة والبيئة والطاقة المتجددة وإدارة الكوارث الطبيعية.
ومن المتوقع أن يسهم هذا التعاون في رفع مستوى البحث العلمي العربي، وبناء جيل جديد من العلماء والمهندسين القادرين على تطوير تقنيات فضائية محلية مستقبلًا.
ريادة إماراتية في الفضاء العربي
يأتي هذا الإنجاز ضمن سلسلة من النجاحات التي حققتها الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة في مجال استكشاف الفضاء، بدءًا من مسبار الأمل الذي دخل مدار المريخ عام 2021، مرورًا بمشروع المستكشف راشد على سطح القمر، وصولًا إلى مهمة طارق بن زياد لاستكشاف الكويكبات.
ويؤكد مشروع القمر العربي 813 أن الإمارات لا تكتفي بتحقيق إنجازات وطنية، بل تعمل على قيادة المبادرات الإقليمية التي تفتح الباب أمام تعاون علمي عربي واسع في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.
تعاون علمي لمستقبل مشترك
من جانبهم، أشاد عدد من الخبراء العرب بهذا المشروع باعتباره خطوة نحو توحيد الجهود العربية في مجال علوم الفضاء، مؤكدين أن نجاح “813” سيسهم في تعزيز مكانة العالم العربي على خريطة الدول الفاعلة في مجال الاستشعار عن بعد.
وقال أحد الخبراء في تعليق له:”القمر العربي 813 هو نموذج حقيقي للتكامل العربي العلمي، فهو يجمع بين المعرفة والخبرة والتقنية الحديثة في مشروع واحد يخدم مستقبل المنطقة بأكملها.”

مع اقتراب لحظة الإطلاق، تتجه أنظار العرب إلى هذا القمر الذي يحمل في طياته آمال أمة بأكملها نحو السماء، مؤكدًا أن الاستثمار في الفضاء لم يعد رفاهية، بل هو طريق نحو الاستدامة والابتكار والسيادة التقنية.
وهكذا، يبرهن مشروع القمر الاصطناعي العربي 813 أن التعاون العلمي العربي ما زال ممكنًا، وأن المستقبل يحمل فرصًا هائلة حين تتوحد الإرادة والرؤية والمعرفة تحت راية واحدة: العلم من أجل التنمية.؟
