تشيلي – السابعة الاخبارية
المغرب، في ليلة استثنائية ستظل خالدة في ذاكرة الكرة المغربية والعربية، كتب منتخب المغرب تحت 20 عامًا فصلًا جديدًا من أمجاد الكرة الإفريقية، بعد تتويجه بلقب كأس العالم للشباب للمرة الأولى في تاريخه، عقب فوزه المستحق على منتخب الأرجنتين بهدفين دون رد، في المباراة النهائية التي أقيمت فجر الإثنين على ملعب تشيلي الوطني بالعاصمة سانتياغو.
هذا الإنجاز التاريخي لم يكن مجرد فوز عابر، بل كان تتويجًا لمسار حافل بالإصرار والموهبة والتخطيط، ليؤكد أن الكرة المغربية باتت اليوم أحد أعمدة الكرة العالمية على كل المستويات.
المغرب يقهر الأرجنتين بثنائية تاريخية
انطلقت المباراة وسط أجواء جماهيرية رائعة، حيث امتلأت مدرجات ملعب تشيلي الوطني بآلاف المشجعين الذين حضروا لمتابعة واحدة من أقوى نسخ البطولة في تاريخها. دخل المنتخب المغربي اللقاء بثقة عالية بعد مشوار مميز في البطولة، فيما اعتمد المنتخب الأرجنتيني على تاريخه العريق كأكثر المنتخبات تتويجًا باللقب.
منذ الدقائق الأولى أظهر “أسود الأطلس الصغار” نواياهم الهجومية الواضحة، ونجح الموهوب ياسر زبيري في تسجيل الهدف الأول للمغرب في الدقيقة 12 من ركلة حرة مباشرة سددها ببراعة لتسكن شباك الحارس سانتينو باربي، في لقطة أذهلت الجماهير. لم يكتف زبيري بذلك، بل عاد في الدقيقة 29 ليعزز التقدم بهدف ثانٍ مستغلًا تمريرة متقنة داخل منطقة الجزاء، ليؤكد تفوق المغرب ويحسم الأمور مبكرًا أمام منافس قوي يضم مجموعة من أبرز المواهب الأرجنتينية.
ياسر زبيري.. نجم المستقبل وهداف البطولة
أصبح اسم ياسر زبيري حديث العالم بعد هذا النهائي المثير، حيث أنهى البطولة في صدارة ترتيب الهدافين برصيد 5 أهداف، متساويًا مع الثلاثي بنجامين كريماسكي، نيسر فياريال، ولوكاس ميشال. تألق زبيري لم يكن صدفة، بل نتيجة عمل طويل مع الجهاز الفني بقيادة المدرب محمد وهبي الذي منح اللاعب الثقة الكاملة ليقود هجوم الأسود الصغار بجرأة نادرة. زبيري قدم أداءً متكاملًا في كل أدوار البطولة، وساهم بأهداف حاسمة أمام منتخبات كبرى مثل فرنسا والبرازيل، ليصبح رمزًا لجيل ذهبي جديد يواصل ما بدأه الكبار في مونديال قطر وأولمبياد باريس.
تشكيلة منسجمة وروح جماعية تصنع المجد
اعتمد المدرب محمد وهبي في النهائي على تشكيل متوازن جمع بين القوة الدفاعية والسرعة في التحول الهجومي. بدأ اللقاء بالحارس إبراهيم جوميز الذي كان أحد أبرز نجوم البطولة بثباته في المرمى، أمامه خط دفاع مكوّن من علي معمر وإسماعيل باعوف ونعيم بيار وعثمان معما. في الوسط تواجد حسام الصادق وفؤاد الزهواني وياسين جسيم، بينما تولى ياسين خليفي وإسماعيل بختي مهمة دعم الهجوم خلف المهاجم المتألق ياسر زبيري.
هذه المنظومة المتجانسة لعبت دورًا محوريًا في صناعة الانتصار، حيث ظهر الانسجام الواضح بين اللاعبين في تبادل المراكز وتنفيذ التعليمات الفنية بدقة عالية، ليؤكد المنتخب المغربي أن الكرة الحديثة تعتمد على العمل الجماعي أكثر من الأسماء الفردية.
الأرجنتين تتعثر أمام التنظيم المغربي الصلب
ورغم محاولات المنتخب الأرجنتيني المتكررة للعودة إلى أجواء اللقاء، فإن دفاع المغرب كان في قمة تركيزه. قاد نعيم بيار الخط الخلفي بثقة كبيرة، فيما أبدع علي معمر في إيقاف انطلاقات فالنتينو أكونيا وجيانلوكا بريستياني، أخطر لاعبي التانغو.
اعتمدت الأرجنتين على تشكيل يضم باربي في المرمى، وديلان جوروسيتو، توبياس راميريز، توماس بيريز، خوان مانويل فيلالبا في الدفاع، إلى جانب خط وسط من خوليو سولير، ميلتون ديلجادو، وماهر كاريزو، والهجوم المكون من أكونيا، بريستياني، وأليجو ساركو. لكن هذه التشكيلة اصطدمت بتنظيم مغربي محكم أغلق المساحات تمامًا أمام محاولاتهم، ليكتفي “التانغو” بالاستسلام لتفوق الأسود.
استمرار الصحوة المغربية في المحافل العالمية
بهذا الإنجاز المذهل، يؤكد المنتخب المغربي أن ثورته الكروية مستمرة منذ سنوات، بعدما قدم المنتخب الأول أداءً أسطوريًا في كأس العالم 2022 بقطر واحتل المركز الرابع، قبل أن يحصد برونزية أولمبياد باريس 2024. هذه النجاحات المتتالية تعكس التخطيط السليم الذي تتبعه الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بقيادة فوزي لقجع، في تطوير منظومة الناشئين وبناء قاعدة قوية تمتد من الفئات الصغيرة حتى المنتخب الأول.
من نصف النهائي إلى المجد.. طريق الأسود نحو الكأس
لم يكن طريق المغرب نحو اللقب مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالتحديات الصعبة. في الدور نصف النهائي، واجه المنتخب الفرنسي القوي وتمكن من تجاوزه بركلات الترجيح بعد تعادل مثير بنتيجة 1-1 في الوقتين الأصلي والإضافي، حيث تألق الحارس جوميز بتصديه الحاسم لركلة الترجيح الأخيرة. أما الأرجنتين، فقد تأهلت إلى النهائي بعد فوزها الصعب على كولومبيا بهدف دون مقابل.
لكن في النهائي، ظهر الفارق الكبير بين الإصرار المغربي والتنظيم الأرجنتيني، ليخرج الأسود منتصرين بجدارة ويضيفوا إنجازًا جديدًا للقارة السمراء.
المغرب يكتب التاريخ العربي والإفريقي
بفوزه بلقب كأس العالم للشباب 2025، أصبح المغرب ثاني منتخب عربي في التاريخ يبلغ المباراة النهائية بعد قطر عام 1981، وأول منتخب عربي يتوج باللقب، كما بات ثالث منتخب إفريقي يحقق هذا الإنجاز بعد نيجيريا وغانا. هذا التتويج لم يرفع فقط راية المغرب، بل أعاد للأذهان صورة الكرة العربية كقوة صاعدة يمكنها مقارعة عمالقة العالم.
وهبي يحقق الحلم ويقود جيلًا من الأبطال
المدرب المغربي محمد وهبي استحق كل الإشادة بعد العمل الكبير الذي قام به مع هذا الجيل، حيث تمكن من غرس روح الانضباط والقتال في نفوس اللاعبين، وجعلهم يؤمنون بقدرتهم على الفوز على أقوى المنتخبات. وهبي صرح عقب اللقاء بأن هذا اللقب هو ثمرة تعب سنوات طويلة من العمل في مراكز التكوين المغربية، مؤكدًا أن مستقبل الكرة المغربية سيكون مشرقًا بفضل هذا الجيل الذي سيحمل راية المنتخب الأول قريبًا.
المغرب ينضم لقائمة عمالقة المونديال
بهذا التتويج، انضم المنتخب المغربي إلى قائمة أبطال العالم في فئة الشباب التي تتصدرها الأرجنتين بستة ألقاب، تليها البرازيل بخمسة، ثم البرتغال وصربيا وغانا بمناسبتين لكل منهم. دخول المغرب هذه القائمة يعد إنجازًا استثنائيًا يعكس مدى التطور الذي وصلت إليه الكرة المغربية، التي باتت تنافس كبار العالم على الألقاب لا على مجرد المشاركة المشرفة.
فرحة جماهيرية عارمة واحتفالات في كل المدن
عقب إطلاق الحكم صافرة النهاية، انفجرت فرحة الجماهير المغربية في مدرجات الملعب، قبل أن تمتد إلى شوارع الرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة، حيث خرج الآلاف للاحتفال بهذا الإنجاز غير المسبوق. مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بصور اللاعبين وأهازيج الجماهير، فيما تهافتت التهاني من نجوم الكرة العربية والإفريقية الذين أشادوا بالأداء البطولي للأسود الصغار.
ختام يليق بالبطل.. بداية عصر جديد للكرة المغربية
ما حققه منتخب المغرب للشباب في تشيلي ليس مجرد لقب عالمي، بل بداية لعصر جديد عنوانه “الطموح بلا حدود”. فقد أثبت هذا الجيل أن النجاح لا يأتي صدفة، بل ثمرة عمل وجهد واستثمار في المواهب. وبينما يرفع زبيري ورفاقه الكأس العالمية عاليًا، ترفع الكرة المغربية رأسها فخرًا أمام العالم، لتعلن أن المستقبل أصبح مغربيًا خالصًا.