قطر – السابعة الإخبارية
النفط .. شهدت أسواق الطاقة العالمية موجة جديدة من التقلبات، مع تسجيل أسعار النفط ارتفاعًا لليوم الثاني على التوالي، في ظل توتر جيوسياسي متزايد في منطقة الخليج العربي، وتهديدات أمريكية بإجراءات اقتصادية أكثر صرامة على الدول المستوردة للنفط الروسي.
جاء هذا التحول في السوق مدفوعًا بعدة عوامل متشابكة، أبرزها هجوم جوي إسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة استهدف قيادات من حركة حماس الفلسطينية، إضافة إلى التصريحات المتشددة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على الهند والصين بسبب علاقاتهما التجارية مع روسيا في قطاع الطاقة.

ارتفاع في أسعار النفط وسط تصعيد سياسي
وبحسب بيانات تداول نشرتها وكالة بلومبرغ للأنباء، بلغ سعر خام برنت، وهو المعيار العالمي لأسعار النفط، نحو 67 دولارًا للبرميل، بعدما سجل ارتفاعًا بنسبة 0.6% يوم أمس. كما تجاوز سعر خام غرب تكساس الوسيط، المؤشر الأمريكي، مستوى 63 دولارًا للبرميل، في إشارة إلى استجابة الأسواق للتطورات الجيوسياسية الأخيرة.
ويُنظر إلى هذه القفزة السعرية كمؤشر على تصاعد المخاوف بشأن استقرار الإمدادات النفطية العالمية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تُنتج قرابة ثلث الإنتاج العالمي من النفط الخام.
ترامب يلوّح برسوم على الهند والصين
تزامن هذا الارتفاع مع تصريحات نارية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أبلغ مسؤولين أوروبيين بنيته فرض رسوم جمركية عقابية على الهند والصين بسبب استمرار استيرادهما للنفط الروسي، رغم العقوبات الغربية المفروضة على موسكو.
وقال ترامب إنه لن يتردد في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب إذا لم يتحرك الاتحاد الأوروبي بجدية لفرض قيود مماثلة على واردات الطاقة الروسية، في محاولة لزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا وإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات مع أوكرانيا.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت بالفعل رسوماً بنسبة 25% على الهند في وقت سابق، فيما استثنت الصين مؤقتًا من تلك الإجراءات، وسط تقديرات بأنها تتريث في التصعيد مع بكين لأسباب استراتيجية.
الانقسام الأوروبي يعقّد المشهد
إلا أن هذا التحرك الأمريكي يصطدم بعقبات داخلية في أوروبا، حيث تعارض بعض الدول، مثل المجر، فرض عقوبات أوروبية جديدة تطال قطاع الطاقة الروسي، معتبرة أن مثل هذه الإجراءات تُهدد أمنها الطاقي.
ويُعقّد هذا الانقسام الداخلي قدرة الاتحاد الأوروبي على تبني موقف موحد، وهو ما يعزز اتجاه واشنطن نحو اتخاذ قرارات أحادية، ما يضيف مزيدًا من الضبابية للأسواق العالمية.

عودة شبح “مخاطر الشرق الأوسط”
لكن العامل الأبرز الذي أشعل المخاوف في الأسواق مؤخرًا، هو الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على الدوحة، والذي استهدف موقعًا يُعتقد أنه يضم قيادات بارزة من حركة حماس. ويعد هذا الهجوم الأول من نوعه على الأراضي القطرية، منذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي وتاريخ دعم قطر للفصائل الفلسطينية.
وقد أثار الهجوم تخوفات من تصعيد عسكري أوسع في المنطقة، خاصة مع استمرار الحرب في غزة منذ نحو عامين، وتصاعد التوترات الإقليمية بين عدة أطراف فاعلة في الملف الفلسطيني.
ويرى مراقبون أن أي اضطرابات أمنية في الخليج العربي، وبشكل خاص في دول تعتبر مراكز رئيسية لتصدير النفط والغاز، كقطر والسعودية والإمارات، من شأنها أن تدفع الأسواق إلى حالة من التحفظ الشديد وزيادة عمليات التحوّط في الأسعار.
أسعار النفط بين ضغوط المعروض والمخاوف الجيوسياسية
يُذكر أن أسعار خام برنت كانت قد فقدت ما يقارب 10% من قيمتها منذ بداية عام 2025، في ظل توقعات سابقة بحدوث فائض في المعروض خلال الربع الأخير من العام. إلا أن الأحداث الأخيرة وضعت هذه التوقعات على المحك، مع ارتفاع احتمال تعطّل الإمدادات أو تغير سلوك الدول المنتجة في حال اندلاع صراع إقليمي.
وفي هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي في مؤسسة “أويل إنسايتس” جيمس هوارد:”الأسواق تمر بمرحلة حساسة للغاية، والعودة إلى مستويات أسعار مرتفعة قد لا تكون بعيدة إذا استمر التوتر في منطقة الخليج. النفط بات اليوم سلعة لا تتأثر بالمعروض والطلب فقط، بل أيضًا بالإشارات السياسية والعسكرية”.

مع تسارع الأحداث في الساحة الدولية، يبدو أن سوق النفط العالمي بات رهينة الأحداث الجيوسياسية أكثر من أي وقت مضى. ومن الدوحة إلى موسكو، ومن واشنطن إلى بكين، تتشابك الملفات السياسية لتشكّل لوحة غير مستقرة لأسعار الطاقة.
وفي وقت تتطلع فيه الأسواق إلى استقرار في الأسعار، قد تكون أي ضربة عسكرية أو قرار جمركي مفاجئ سببًا في قلب المشهد رأسًا على عقب، الأمر الذي يضع الجميع — منتجين ومستهلكين — في حالة ترقّب حذر لما ستؤول إليه الأسابيع القادمة.