سوريا – السابعة الاخبارية
باسم ياخور، يواصل المخرج سيف سبيعي تصوير مسلسله الجديد “سعادة المجنون” في لبنان، في أجواء يسودها الحماس والترقب من قبل صنّاع الدراما السورية والجمهور على حدّ سواء. العمل، الذي كتبه علاء مهنا وتنتجه شركة غولدن لاين للإنتاج الفني، يُعدّ أحد أبرز المسلسلات المنتظرة في موسم دراما رمضان 2026، لما يحمله من حبكة غامضة وأبعاد إنسانية واجتماعية معقدة ويأتي على رأس بطولته باسم ياخور.
يجمع المسلسل نخبة من أبرز النجوم السوريين، من بينهم باسم ياخور، سلافة معمار، عابد فهد، جهاد سعد، ولاء عزام، وإيهاب شعبان، في توليفة فنية توحي بعمل ضخم يدمج بين التشويق والدراما الواقعية.
باسم ياخور: بين الحماسة والالتزام الفني
تشهد مواقع التصوير أجواءً مليئة بالحيوية والجدية في الوقت نفسه، إذ يحرص المخرج سيف سبيعي على تقديم رؤية بصرية عالية الجودة، تجمع بين الدقة في التفاصيل والبساطة في التعبير.
وقد نشر النجم باسم ياخور عبر خاصية “الستوري” في حسابه على “إنستغرام” صورة من كواليس التصوير جمعته بزميله جهاد سعد، وظهر الاثنان داخل مكتب فاخر مرتديين بدلتين رسميتين، ما أثار فضول الجمهور حول طبيعة الشخصيات التي يؤديانها.
واكتفى ياخور بتعليق مقتضب قال فيه: “مسلسل سعادة المجنون”، تاركًا مساحة للتكهنات والتوقعات حول دوره في هذا العمل.
هذه الصورة البسيطة كانت كافية لتثير ضجة بين المتابعين، إذ بدأ كثيرون بطرح الأسئلة حول هوية “سعادة المجنون” وما إذا كان اللقب يعود لشخصية ياخور أو لشخص آخر ضمن القصة.
فريق العمل: توليفة من الخبرة والتجديد
يضم “سعادة المجنون” مجموعة واسعة من نجوم الدراما السورية المخضرمين والشباب، في توازن فني مدروس يعكس رغبة القائمين على العمل في الجمع بين الأصالة والتجديد.
إلى جانب ياخور وسعد، يشارك كل من:
- سلافة معمار في دور رئيسي يُنتظر أن يحمل بُعدًا نفسيًا عميقًا، إذ اعتادت تقديم الشخصيات المركّبة التي تجمع بين القوة والهشاشة الإنسانية.
- عابد فهد الذي يعود في هذا المسلسل إلى الأدوار الاجتماعية المشحونة بالتناقضات، بعد سلسلة من الأعمال التاريخية والسياسية.
- ولاء عزام وبلال مارتيني وطارق مرعشلي وجلال شموط، في شخصيات مختلفة تنتمي إلى بيئات متباينة، ما يمنح القصة غنى اجتماعيًا وثقافيًا.
- جمال العلي ودلع نادر وإيهاب شعبان، في أدوار تدعم الخط الدرامي الرئيس، وتضيف أبعادًا إنسانية وحياتية واقعية إلى الأحداث.
ويبدو أن المخرج سيف سبيعي اختار توزيع الأدوار بعناية، بحيث تتقاطع خطوط الشخصيات بطريقة تثير فضول المشاهد وتبقيه في حالة ترقّب مستمر حتى الحلقة الأخيرة.
قصة مليئة بالغموض والتشويق
تدور أحداث “سعادة المجنون” بين عامي 2022 و2024، في بيئة اجتماعية واقتصادية مضطربة، تبدأ القصة من جريمة غامضة مرتبطة بملف فساد ضخم، لتتفرع بعدها الأحداث في سلسلة من الجرائم التي تكشف خيوطًا خفية داخل المجتمع.
يتناول العمل قضايا التهريب والفساد القضائي وتجارة الممنوعات، إلى جانب الصراعات بين عائلات نافذة تمتلك علاقات متشابكة مع السلطة والمال.
لكن رغم طابعه التشويقي، لا ينزلق المسلسل إلى الأكشن التقليدي، بل يركّز على الجانب الإنساني للشخصيات، وعلى الصراع بين الطموح والأخلاق، والجنون والحكمة، والعدالة والسلطة.
من هو “سعادة المجنون”؟
العنوان وحده يثير التساؤل: من هو سعادة المجنون؟
هل هو لقب ساخر، أم اسم يحمل دلالة رمزية لشخص يختلط عليه العقل والواقع؟
بحسب ما تسرّب من الكواليس، فإن “سعادة المجنون” هو شخصية محورية تُبنى حولها الأحداث، ويُروى العمل من منظورها.
الاسم لا يشير إلى “السعادة” بمعناها البهيج، بل إلى توليفة متناقضة بين النور والظلام داخل الإنسان.
إنه شخص يجمع بين الذكاء الحاد والجنون في السلوك، بين الرغبة في الإصلاح والانغماس في الفساد، ما يجعل المشاهد مترددًا في الحكم عليه: هل هو بطل أم مجرم؟
هذه الرمزية تمنح العمل عمقًا نفسيًا وفلسفيًا نادرًا في الدراما الاجتماعية، إذ يتحول الجنون إلى مرآة تكشف من خلالها تناقضات المجتمع بأسره.
سيف سبيعي… بصمة إخراجية مميزة
المخرج سيف سبيعي، المعروف بقدرته على الموازنة بين الواقعية والتصعيد الدرامي، يقدّم في “سعادة المجنون” تجربة إخراجية تبتعد عن التكرار.
سبيعي، الذي أخرج أعمالاً ناجحة مثل على صفيح ساخن وخاتون ووراء الشمس، يعتمد في هذا المسلسل على بناء بصري غني، يعكس التحولات النفسية للشخصيات عبر الإضاءة، وزوايا التصوير، والتدرجات اللونية.
يُقال إن سبيعي يولي اهتمامًا خاصًا بالتفاصيل الصغيرة: حركة اليد، نظرة العين، وحتى الصمت بين الجمل الحوارية، معتبرًا أن “الصورة يجب أن تتكلم قبل الكلمة”.
هذه المقاربة تجعل من “سعادة المجنون” عملاً بصريًا ونفسيًا في آن، حيث تشكّل الكاميرا شاهدًا على الانهيار الأخلاقي والبحث عن الحقيقة داخل عالم غارق في الظلال.
البيئة الدرامية: لهجات متعددة ومجتمعات متقاطعة
من العناصر اللافتة في “سعادة المجنون” استخدامه لمجموعة متنوعة من اللهجات السورية، تشمل لهجات الزبداني، درعا، والقلمون، في خطوة تهدف إلى إبراز التنوع الاجتماعي والثقافي داخل المجتمع السوري.
هذا التنوع لا يقتصر على اللغة فقط، بل يمتد إلى خلفيات الشخصيات، التي تنتمي إلى طبقات مختلفة: رجال أعمال، قضاة، مهربين، ومواطنين عاديين يعيشون في بيئات شعبية.
وبين هذه العوالم، تتشابك المصالح، وتتقاطع خطوط الفساد مع الرغبة في الخلاص، في حبكة متصاعدة الأحداث توازن بين الواقعية والدراما المشوقة.
الدراما الاجتماعية السورية تعود بقوة
يأتي “سعادة المجنون” في سياق عودة الدراما السورية إلى بريقها بعد سنوات من التحديات الإنتاجية.
فقد اتجه عدد من صناع الدراما مؤخرًا إلى تصوير أعمالهم في لبنان لتوفير بيئات إنتاجية أكثر استقرارًا، وهو ما فعله فريق هذا العمل.
ويبدو أن المسلسل يسعى إلى استعادة الدراما الاجتماعية السورية الأصيلة، التي عُرفت بقدرتها على ملامسة قضايا الإنسان العربي بعمق وصدق، من خلال قصص مستوحاة من الواقع المعاش.
في “سعادة المجنون”، لا يقتصر الاهتمام على الحدث أو الجريمة، بل يتناول أيضًا العلاقات الإنسانية المعقدة داخل الأسرة والمجتمع، وتناقضات النفوس حين تُختبر بالمصالح والسلطة.
لغة بصرية ومعالجة درامية غير تقليدية
يبدو من المؤشرات الأولى أن المسلسل يعتمد على إيقاع سردي متدرج، حيث تتكشف الأسرار تدريجيًا، وتُبنى التوترات خطوة بخطوة حتى تبلغ ذروتها.
الإخراج يستخدم الإضاءة والظلال كعنصر تعبيري يعكس الحالات النفسية: فالمشاهد التي تجمع بين الفساد والعنف تطغى عليها الألوان الداكنة، بينما تُستخدم الإضاءة الدافئة في لحظات الصفاء أو الندم.
كذلك يعتمد الحوار على نغمة فكرية، تطرح تساؤلات حول معنى “الجنون” و”السعادة” في زمن تهيمن فيه المادية والانتهازية.
بهذه الطريقة، يتحول المسلسل إلى عمل فلسفي مبطّن داخل دراما اجتماعية مشوقة.
رسائل العمل: بين الفساد والضمير
لا يخلو “سعادة المجنون” من رسائل إنسانية وأخلاقية عميقة.
فمن خلال قصص الجريمة والفساد، يسلّط الضوء على صراع الضمير الإنساني حين يُختبر بالسلطة والمال.
كما يطرح تساؤلات حول مدى إمكانية التغيير داخل منظومة فاسدة، وهل يمكن للمجنون أن يكون أكثر عقلانية من العاقل في بعض المواقف؟
العنوان ذاته يحمل مفارقة فلسفية: “سعادة المجنون” ليست سعادة بالمعنى البسيط، بل هي رحلة مؤلمة نحو الوعي، حيث يدرك الإنسان أن الحقيقة ليست دائمًا مريحة، وأن التنوير قد يكون أقرب إلى الجنون منه إلى الاتزان.
توقعات الجمهور والنقاد
منذ الإعلان عن العمل، حظي “سعادة المجنون” باهتمام كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا مع تسريب بعض الصور التي كشفت عن أجواء فخمة وأداء تمثيلي قوي.
النقاد يتوقعون أن يشكل المسلسل نقطة تحول في الدراما الاجتماعية السورية، نظرًا لجرأة الطرح والتقنيات الحديثة المستخدمة في التصوير والمونتاج.
الجمهور، بدوره، يترقب بفارغ الصبر ظهور الثنائي باسم ياخور وعابد فهد معًا في عمل واحد بعد غياب سنوات، ما يزيد من حماس المتابعين لمشاهدة الكيمياء بينهما على الشاشة.
خاتمة: دراما تنبض بالحياة والعقل معًا
يبدو أن “سعادة المجنون” لا يكتفي بأن يكون مسلسلًا تشويقيًا، بل يسعى إلى أن يكون رحلة فكرية وإنسانية داخل دهاليز النفس والمجتمع.
من خلال شخصيات متناقضة، وأحداث مشوقة، وإخراج بصري محكم، يقدّم العمل صورة عن واقع عربي يعيش صراعًا دائمًا بين الجنون والعقل، وبين الفساد والأمل.
إنه عمل يَعِد بأن يضيف إلى رصيد الدراما السورية محطة جديدة من النضج الفني، ويؤكد أن الفن الحقيقي لا يقتصر على الحكاية، بل على القدرة على جعل المشاهد يفكر وهو يستمتع.
ففي زمن تتسارع فيه الأحداث وتكثر فيه الضوضاء، يأتي “سعادة المجنون” ليذكّرنا بأن الجنون ليس دائمًا نهاية، بل قد يكون بداية الوعي.