لبنان – السابعة الإخبارية
فيروز.. في مشهد مؤلم ومؤثر، وثّقت عدسات الكاميرا لحظة نادرة لظهور السيدة فيروز، أسطورة الغناء العربي، خلال مشاركتها في مراسم تشييع جثمان نجلها الفنان الراحل زياد الرحباني، في كنيسة سيدة الرقاد في بلدة بكفيا اللبنانية، صباح اليوم الاثنين.
ظهور فيروز، التي بلغت من العمر 90 عامًا، جاء مفاجئًا للجمهور والإعلام، في واحدة من أكثر لحظاتها الإنسانية حزنًا. وظهرت السيدة العتيقة، ترتدي الأسود، وتمسك بيد ابنتها ريما، وتخطو ببطء وثبات على درج الكنيسة، وسط حشد من المشيعين الذين وقفوا مذهولين أمام هذا الظهور النادر، الذي اختلطت فيه الدموع بالمهابة.

فيروز أمام جثمان ابنها.. لحظة تختصر عمراً من الألم
لم يكن ظهور فيروز مجرد لقطات عابرة في مراسم التشييع، بل كانت لحظة ملحمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. دخلت الكنيسة بصمت، وجلست أمام نعش ابنها زياد، تتأمل الجثمان بصمت يقطر وجعًا، وكأنها تسترجع سنوات طويلة من الذكريات والموسيقى والحياة.
وبدت الفنانة الكبيرة بصحة جيدة على عكس ما أشيع سابقًا من شائعات حول تدهور حالتها بعد تلقيها نبأ الوفاة، لكنها كانت تغلّف نفسها بصمت مطبق، لا يبوح إلا بالحزن العميق الذي يختلج قلب الأم التي فقدت ابنها، ورفيق دربها الفني والفكري.
أول ظهور للفنانة اللبنانية فيروز منذ سنوات وذلك خلال جنازة ابنها زياد الرحباني الذي توفي قبل يومين.
يُذكر أن فيروز تبلغ من العمر 90 عام.pic.twitter.com/4Qcgovysf2
— إياد الحمود (@Eyaaaad) July 28, 2025
زياد الرحباني.. عبقري التمرّد والوجع
غيّب الموت يوم السبت الماضي زياد الرحباني عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد مسيرة فنية استثنائية تجاوزت نصف قرن، رسم فيها ملامح جيل بكامله، وخلّد اسمه في تاريخ المسرح والموسيقى العربية.
ولد زياد في 1 يناير 1956، داخل البيت الرحباني الشهير، حيث نشأ في كنف عمالقة الفن: والدته فيروز، ووالده الموسيقار الكبير عاصي الرحباني. غير أن زياد لم يكن مجرد امتداد لهذا الإرث، بل تمرّد عليه ليؤسس مدرسته الخاصة، التي جمعت بين الجاز والشرقي، بين الألم والسخرية، بين الفن والموقف السياسي.
من “سألوني الناس” إلى “أنا مش كافر”.. موسيقى لا تشبه أحدًا
في سن السابعة عشرة، لحّن زياد أغنية “سألوني الناس” لوالدته فيروز، خلال مرض والده، لتكون أول بوابة عبوره إلى قلوب الجماهير. سرعان ما توالت أعماله المميزة، مثل “كيفك إنت” و”في أمل”، لتضع بصمته في الأغنية العربية الحديثة.
ولم يكتفِ زياد بالتلحين، بل كتب وغنى أعمالًا أيقونية، أبرزها أغنيته الشهيرة “أنا مش كافر”، التي تحوّلت إلى نشيد شعبي:
“أنا مش كافر.. بس الجوع كافر، والذل كافر، والمرض كافر”
بهذه الكلمات عبّر عن وجع الإنسان العربي، وعن واقعه المرير، مستخدمًا الفن كأداة مقاومة لا تُهادن.
مسرح الغضب.. يوم صارت الخشبة مرآة للواقع
تميّزت مسيرة زياد الرحباني بالمسرح السياسي الساخر، خاصة خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية. قدّم أعمالًا مسرحية خالدة مثل:
“بالنسبة لبكرا شو؟”
“فيلم أميركي طويل”
“شي فاشل”
“بخصوص الكرامة والشعب العنيد”
“لولا فسحة الأمل”
في هذه الأعمال، رسم زياد صورة حقيقية للبنان الممزق، وجعل من المسرح ساحة للمواجهة مع الفساد والانقسامات والطائفية. وظل الجمهور يتداول حواراته المسرحية وكأنها نبوءات سياسية واجتماعية تسبق الزمن.
صوتٌ يساري لم يتبدّل
عرف زياد بمواقفه السياسية الجريئة. تبنّى الفكر اليساري، وكان مناصرًا للقضية الفلسطينية، ورافضًا للطائفية والانقسامات اللبنانية. لم يكن فنانًا تقليديًا، بل صاحب رأي واضح، لا يخشى التعبير عنه حتى في أصعب الظروف.
وقدّم عبر برامجه الإذاعية مثل “العقل زينة” محتوى سياسيًا وفكريًا عميقًا، ظل محفورًا في ذاكرة المستمعين.
الوداع الأخير.. لبنان يفقد ضميرًا فنيًا
جنازة زياد لم تكن فقط مراسم توديع، بل كانت لحظة اعتراف من الجميع بعبقرية لا تُكرر. نعاه السياسيون والمثقفون والفنانون، وعبّر الكثيرون عن شعورهم بأن لبنان خسر أحد أعمدة ثقافته.
وكتبت الفنانة كارمن لبّس، التي ربطتها بزياد علاقة فنية وعاطفية:
“أشعر وكأن كل شيء انتهى.. أشعر وكأن لبنان أصبح فارغًا”.
أما رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، فقال في بيان رسمي:
“بغياب زياد الرحباني، يفقد لبنان فنانًا مبدعًا، وصوتًا حرًا ظل وفيًا لقيم الكرامة والعدالة”.
لكن الوداع الأكثر تأثيرًا، جاء من السيدة فيروز، التي لم تنطق بكلمة واحدة، لكنها قالت كل شيء بنظرتها الصامتة، وبجلوسها الطويل أمام الجثمان. كان هذا الظهور بمثابة لحظة سينمائية تختزل حكاية أم وابن، وبلد، وفن، وزمن لن يتكرر.
حرقة قلب.#فيروز تُوَدِّع #زياد_الرحباني pic.twitter.com/vTOTQqtwWv
— نيشان (@Neshan) July 28, 2025