سوريا – السابعة الاخبارية
بسام كوسا، ودّع الفنان السوري بسام كوسا، صديقه الفنان اللبناني الراحل زياد الرحباني، برثاء صادق ومؤثر نُشر في صحيفة “الأخبار” اللبنانية، عبّر فيه عن عمق العلاقة التي جمعتهما، والحزن الكبير الذي خلفه خبر الوفاة.
الرحباني، الذي غادر الحياة في 26 يوليو/تموز 2025، شكّل حالة فنية وفكرية نادرة في العالم العربي، وكان له تأثير كبير على جيله، ومنهم بسام كوسا، الذي وصفه في مقاله بكلمات وجدانية عكست الحزن والذهول والاحترام العميق.
بسام كوسا يكشف بداية مشلولة أمام وقع الخبر
استهل كوسا مقاله باعتراف صريح عن عجزه في البداية عن الكتابة عن رحيل زياد، قائلاً:
“لم أكن حقاً أرغب في الكتابة عن زياد، ترددت كثيراً، أحسستُ بأنني قد أُصبت بما يشبه الشلل.. فكما يُقال: بعد أن تُخرق السفن، كل كلامٍ كثير.”
وتابع: “ولكن بما أنّهم علمونا بأن الحياة أبقى – هكذا قالوا لنا – وأي حياة؟!”
بهذه العبارات، عبّر الفنان السوري عن وقع الصدمة التي أصابته بعد تلقيه خبر الوفاة، حيث أشار إلى أن الفقدان حين يأتي على حين غرة، يعطل كل طاقة على التعبير.
رجل يشبه الخبز والمنام
وفي توصيف وجداني عميق، كتب بسام كوسا عن زياد الرحباني:
“كان بسيطاً كرغيف خبز، عميقاً كالمنام، صادقاً كالألم.. لم يتجمّل أمام الحياة، ولم يخادعها، بل كان ينظر بعينيها مباشرةً، من دون مواربة أو تلاعب.”
وأضاف:
“كان دائماً ما يقول لحياتنا: أنت هكذا. وكنّا نضحك.”
هذا التوصيف يعكس ليس فقط صورة شخصية عن زياد، بل أيضاً الطريقة التي تعامل بها مع العالم، بصراحته المعهودة، وبساطة رؤيته العميقة للواقع، وقدرته على تحويل المأساة إلى ضحكة تحمل دلالات.
رسالة مفتوحة إلى “صديق أكثرنا”
وجّه كوسا في مقاله رسالة مباشرة إلى الرحباني، حملت طابعًا شخصيًا وعاطفيًا شديدًا، قائلاً:
“يا صديق أكثرنا، قلتَ ما لم نستطع قوله (موسيقى، مسرح، غناء، إذاعة، مقالات، آراء، مواقف، محبة…) قلتها بكل صدق وجرأة ونبل، وإبداع.”
وأردف: “كنت مدهشاً كالماء، كأوراق الشجر، كغيمةٍ ماطرة، كعشب الأرض، مدهشاً كالبساطة.. وكنّا نضحك. مررتَ في حياتنا كسربٍ من السنونو، وغادرتنا بسرعة الشهب.”
ضحكٌ صار ألمًا
استعاد كوسا لحظة الفقد عبر وصف شعري مؤلم، وقال:
“غدرتنا. وعلى غفلةٍ منّا، وفي لحظة فجيعتنا عندما رُحت، جمعنا، ذاهلين، كل ضحكاتنا في سلة قشٍ واحدة، وبلمحة بصر تحوّلت كل هذه القهقهات إلى ألم خارق.”
وأشار إلى أن هذا الوجع المفاجئ أعاده إلى إحدى جمل زياد الشهيرة:
“شي جديد، على نفس النسق القديم، بس شي جديد.”
خجل المبدعين وارتباك الكبار
تطرّق كوسا إلى مشهد من مقابلة تلفزيونية جمعته مع زياد الرحباني عام 2008، وقال:
“قلت لك مرّة، أثناء حوارنا عام 2008: إن الأمم تنتظر أن تمنحها الحياة حالةً إبداعية متفرّدة كل خمسين عاماً، ففي الثلاثينيات ظهر سيد درويش، وفي الثمانينيات كنت أنت.”
وأضاف:
“انتابك حينها كمّ كبير من الخجل والارتباك، إلى درجة أنك لم تعرف بماذا تجيب.. لقد تلعثمت بوضوح.”
يُظهر هذا المشهد تواضع زياد المفرط، ورفضه للمديح، حتى حين يصدر من صديق مقرّب يقدّره فنيًا وإنسانيًا.
زياد في الذاكرة الجمعية
أنهى بسام كوسا مقاله برسالة طويلة الأمد إلى الراحل، أكد فيها أن إرثه سيظل حيًا للأجيال القادمة، قائلاً:
“سنظلّ نسمعك ونتذكّرك، قد يكون لأجيال قادمة، وستبقى بالنسبة إلى الكثيرين جداً، سنداً معنوياً ووجدانياً، ومحرّضاً قوياً على العطاء والحب والتفاؤل.”
وتابع:
“ما قدمته في مسيرتك الطويلة القصيرة، سيبقى ضوءاً يدلنا إلى هناك، إلى حياة أفضل وأشرف، فقد كنت خيرَ مَن يوصل الرسالة لمن يريد أن يقرأها.”
صداقة فكرية وفنية نادرة
تعود العلاقة بين كوسا والرحباني إلى سنوات طويلة، حيث التقى الاثنان في لقاء تلفزيوني نادر عام 2008، تولّى كوسا تقديمه، وكان نقاشًا عميقًا وشفافًا عكس التقارب في الرؤية والموقف من الفن والحياة.
ورغم عدم وجود تعاون مهني مباشر، إلا أن العلاقة بينهما كانت قائمة على تقدير فكري وروحي عميق، حيث وصف كوسا الرحباني مرارًا بأنه “ظاهرة لا تتكرر”، تماثل في إبداعها ما قدّمه سيد درويش لجيله.
إرث زياد مستمر.. وكوسا شاهد على زمنه
برحيل زياد الرحباني، فقدت الساحة الثقافية العربية صوتًا فنيًا متفرّدًا، لكنه يبقى حيًا في وجدان محبيه، وفي أعماله التي تُعد مرآة للواقع العربي، الساخرة حينًا، والمؤلمة في أحيان كثيرة. أما بسام كوسا، فبكلماته المؤثرة، سجّل شهادة صديقٍ بقي وفيًا حتى لحظة الوداع.