العراق – السابعة الإخبارية
العشاء الأخير.. في خطوة أثارت جدلًا واسعًا وردود فعل غاضبة، أغلقت السلطات المحلية في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، مطعمًا للوجبات السريعة عقب نشره إعلانًا دعائيًا مسيئًا تضمن إساءة واضحة لرمز ديني مقدس لدى المسيحيين وهو “العشاء الأخير”، ما اعتبره كثيرون تجاوزًا للخطوط الحمراء في بلد متعدد الأديان والمذاهب.
العشاء الأخير.. إعلان صادم يثير الاستياء
بداية القصة كانت مع نشر إدارة المطعم إعلانًا عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه تعديل رقمي للوحة “العشاء الأخير” الشهيرة للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي. وقد تم استبدال الأطعمة الأصلية في اللوحة بوجبة “بيتزا”، في حين كُتبت عبارة “The Last Slice” (الشريحة الأخيرة) بخط بارز، في تلاعب واضح على اسم اللوحة الذي يشير إلى “العشاء الأخير”.
هذا التعديل أثار استياء عدد كبير من مستخدمي الإنترنت، خاصة المسيحيين منهم، حيث اعتُبر الإعلان تجاريًا سطحيًا يستهزئ برمز ديني يمثل لحظة مقدسة في العقيدة المسيحية، وهي العشاء الأخير للسيد المسيح مع تلاميذه قبل صلبه، وفقًا للإنجيل.

رد فعل رسمي سريع
ولم يتأخر الرد الرسمي، إذ تحركت السلطات المحلية على الفور. وأفادت وسائل إعلام عراقية بأن الجهات الأمنية قامت بإغلاق المطعم فور انتشار الإعلان، في خطوة تهدف إلى احتواء حالة الغضب وحماية السلم الأهلي في الإقليم.
كما نقلت شبكة “964” المحلية عن قائمقام أربيل، نبز عبد الحميد، تصريحه بالقول:“نرفض أي موضوعات تؤدي إلى الفتنة أو تتضمن ازدراءً للأديان. لا يمكن السماح بمساس الرموز الدينية، خصوصًا في منطقة يعيش فيها أتباع ديانات مختلفة.”
غضب على مواقع التواصل ومطالب بالمحاسبة
توالت ردود الفعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصف عدد كبير من المستخدمين الإعلان بأنه “مسيء ومثير للانقسام”، مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن هذه الحملة الدعائية. وتركزت الانتقادات على “استهتار” القائمين على التسويق بقيم دينية، واستغلال رمز مقدس في سبيل الترويج لمنتج تجاري.
العديد من المدونين والنشطاء من داخل إقليم كردستان وخارجه دعوا إلى ضرورة فرض رقابة على الحملات الإعلانية التي قد تمس مشاعر المكونات الدينية، خاصة في مجتمع متعدد كالعراق الذي يضم مسلمين ومسيحيين وأيزيديين وغيرهم.

صمت إدارة المطعم
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تُصدر إدارة المطعم أي توضيح أو اعتذار رسمي بشأن الحادثة، كما لم يُعرف ما إذا كانت هناك نية لتقديم تبرير علني أو محاولة تصحيح الخطأ. كما لم تُعلن السلطات بعد عن مدة الإغلاق أو العقوبات المحتملة التي قد تُفرض على المطعم.
ويخشى البعض من أن يتحول هذا الحادث إلى سابقة تستدعي مراقبة أشد للإعلانات التجارية، فيما يرى آخرون أن حرية التعبير لا ينبغي أن تصل إلى حد التعدي على الرموز الدينية.
“العشاء الأخير”.. عمل فني ذو طابع مقدس
اللوحة التي كانت محور الجدل، وهي “العشاء الأخير” للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي، تعود إلى عام 1495، وتُعد من أبرز الأعمال الفنية في التاريخ الأوروبي المسيحي. وقد رسمها دافنشي على جدار قاعة طعام في دير “سانتا ماريا ديلي غراسي” بمدينة ميلانو، بتكليف من رهبان الكنيسة.
وتصوّر اللوحة لحظة العشاء الأخير للسيد المسيح عليه السلام مع تلاميذه الاثني عشر قبل أن يتم القبض عليه، وهي لحظة محورية في العقيدة المسيحية، حيث أسس فيها المسيح سرّ “الإفخارستيا”، بحسب الرواية الإنجيلية.
وعلى مدار قرون، تم التعامل مع هذه اللوحة ليس فقط كعمل فني، بل كرمز ديني وروحي يحمل دلالات عميقة. ولهذا فإن أي استخدام ساخر أو تجاري لها يُعد – من وجهة نظر كثيرين – انتهاكًا لقدسيتها.
بين حرية الإعلان واحترام الرموز
تسلّط هذه الحادثة الضوء على التحديات التي تواجهها الشركات في ظل سعيها للتميز والابتكار في حملاتها الإعلانية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر برموز دينية أو ثقافية. ففي عالم تتداخل فيه الحساسيات الدينية مع الحريات التجارية، تصبح الحاجة إلى التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية المجتمعية أكثر إلحاحًا.
وفي حين يطالب البعض بمزيد من التنظيم والرقابة على المواد الترويجية، يشدد آخرون على ضرورة تعزيز الوعي الثقافي لدى العاملين في مجال الإعلان، لتفادي حوادث مشابهة قد تخلّف آثارًا اجتماعية سلبية.
يبقى الجدل الدائر حول إعلان المطعم في أربيل مؤشرًا على الحساسية العالية تجاه القضايا الدينية في العراق والمنطقة، ودعوة لإعادة النظر في كيفية استخدام الرموز المقدسة في الفضاء العام، خصوصًا في سياقات تجارية لا تراعي دائمًا العمق الرمزي والديني لمحتواها.
