مصر- السابعة الإخبارية
الآثار.. أوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، الحكم الشرعي لزيارة الآثار المصرية ومشاهدتها، مؤكدًا أن القول بتحريمها باطل ولا أصل له في الشريعة الإسلامية، بل يمثل إساءة للتاريخ الإسلامي ولجيل الصحابة الذين عاشوا في ظل وجود هذه الآثار ولم يحرموها.
وقال الدكتور كريمة، في تصريحات تليفزيونية، إن من يزعم أن زيارة الآثار محرمة، يُسيء فهم الدين ويشوّه صورة الإسلام، مشيرًا إلى أن الآثار تمثل جزءًا من الحضارة الإنسانية، وأنها كانت موجودة منذ عصور ما قبل الإسلام واستمرت في زمن الصحابة والتابعين دون أن يصدر عنهم أي نهي أو تحريم بشأنها.
وأضاف: “الآثار المصرية كانت قائمة زمن الصحابة، ولم نسمع أن أحدًا منهم قال بتحريم النظر إليها أو زيارتها، وبالتالي فإن من يُحرّمها اليوم كأنه يتهم الصحابة بالتقصير أو بخيانة الدين، وهذا كلام خطير ومرفوض تمامًا”.

الآثار جزء من الهوية الإنسانية
وأكد أستاذ الشريعة أن الإسلام لا يُحارب الفن أو التاريخ أو التراث الإنساني، بل يدعو إلى التفكر والتدبر في ما تركته الأمم السابقة من حضارات. وقال: “القرآن الكريم نفسه أمرنا بالنظر في آثار من سبقونا، قال تعالى: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبةالذين من قبلهم، وهذه دعوة صريحة للتأمل في آثار الأمم السابقة واستخلاص العبر منها”.
وأوضح أن زيارة المعابد والآثار ليست عبادة ولا شركًا بالله كما يروّج البعض، بل هي نشاط ثقافي وسياحي وتاريخي، الهدف منه التعرف على الحضارات واكتساب المعرفة، مشددًا على أن الإسلام دين علم وحضارة، وليس دين جهل أو انغلاق.
تحذير من الفتاوى غير المنضبطة
ودعا الدكتور كريمة إلى تطبيق قانون تنظيم الإفتاء على من يُصدر مثل هذه الفتاوى دون علم أو تأهيل شرعي، مؤكدًا أن الفتوى مسؤولية كبرى لا يجوز أن يتولاها إلا أهل العلم الموثوقون.
وقال: “من الخطورة أن يخرج أشخاص على الشاشات أو عبر وسائل التواصل ليتحدثوا باسم الدين دون تخصص، لأنهم يسيئون إلى الإسلام أكثر مما يخدمونه، وينشرون أفكارًا متطرفة لا أساس لها في القرآن أو السنة”.
وأشار إلى أن تحريم زيارة الآثار أو تصويرها ليس من الدين في شيء، بل هو فكر دخيل يُشوّه صورة الإسلام المعتدل الوسطي الذي عرف به الأزهر الشريف عبر قرون.

الإسلام والحضارة لا يتعارضان
وفي رده على من يخلط بين زيارة الآثار وعبادة الأصنام، أوضح أستاذ الشريعة أن الإسلام فرّق بوضوح بين العبادة وبين التقدير التاريخي أو الفني، موضحًا أن تماثيل الفراعنة أو النقوش القديمة لا تُتخذ اليوم للعبادة، بل تُعرض في المتاحف للتاريخ والتعليم.
وأضاف: “الصحابة رضوان الله عليهم عاشوا في بلاد كانت مليئة بآثار الفراعنة والرومان والفرس، ولم يأمر النبي ﷺ أو الخلفاء الراشدون بإزالتها، لأن الإسلام جاء ليطهّر القلوب من الشرك لا ليهدم التاريخ والحضارة”.
وأكد أن الموروث الإنساني الذي لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية هو جزء من رسالة الاستخلاف في الأرض، التي دعا إليها الإسلام من خلال العلم والعمل والعمران.
دعوة لتعزيز الوعي الديني والثقافي
واختتم الدكتور كريمة حديثه بالتأكيد على أهمية تعزيز الوعي لدى الشباب بأن الدين الإسلامي لا يتناقض مع الحضارة أو السياحة أو دراسة التاريخ، بل يشجع على المعرفة والبحث.
وقال: “زيارة الآثار المصرية ليست فقط مباحة، بل هي عملٌ راقٍ يُنمي الوعي ويعزز الانتماء للوطن، ويُظهر للعالم أن الإسلام دين حضارة، يحترم التراث الإنساني ويستفيد منه في بناء الحاضر والمستقبل”.
وأكد أن الأزهر الشريف — باعتباره المرجعية الدينية الوسطية في العالم الإسلامي — يؤكد دائمًا على ضرورة الفصل بين الدين كمنهج عبادة وبين الحضارة كميراث إنساني، مشددًا على أن الإسلام لم يأتِ لطمس الثقافات، وإنما لهدايتها وإصلاحها بما يتناسب مع قيم التوحيد والتسامح.
بهذا الموقف، يضع الدكتور أحمد كريمة حدًا للجدل المتكرر حول قضية زيارة الآثار المصرية، مؤكدًا أن النظر إليها والتأمل فيها عبادة للعقل لا تتعارض مع العقيدة، وأن من يُحرّمها يُسهم في تشويه صورة الإسلام السمحة التي عرفها العالم عبر العصور.

