أيرلندا – السابعة الاخبارية
بوبي فيلان، تحوّل مهرجان جلاستونبري، أحد أعرق وأضخم المهرجانات الموسيقية في العالم، إلى محور جدل سياسي وإعلامي وأمني واسع، بعدما أدلى عدد من الفنانين المشاركين في نسخة 2025 بتصريحات نارية أثارت استياءً واسعًا، ودفعت بالشرطة والجهات المنظمة إلى التدخل الفوري.
بوبي فيلان يوحه هتافات مثيرة على المسرح
في 28 يونيو، وخلال أدائه على مسرح “ويست هولتس”، أطلق مغني الراب البريطاني بوبي فيلان، أحد أعضاء الثنائي المعروف باسم Bob Vylan، هتافات تضمنت عبارة “فلسطين حرة” أعقبها بنداء أكثر حدة أثار استنكارًا واسعًا: “الموت، الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي”، ما اعتُبر تحريضًا مباشرًا على العنف.
وعلى الفور، أعلنت شرطة أفون وسومرست أنها بصدد “تقييم” اللقطات المصوّرة من الحفل، لتحديد ما إذا كان ما قيل على خشبة المسرح يشكل جريمة كراهية أو تحريضًا على العنف، وهو ما تخضع له قوانين صارمة في المملكة المتحدة.
بالتوازي، تنظر الشرطة أيضًا في تصريحات أدلى بها أعضاء فرقة الراب الأيرلندية Kneecap، حيث اقترح أحدهم على الجمهور “بدء أعمال شغب” دعماً لزميلهم عند مثوله أمام المحكمة، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول مدى تورط الفنون في إذكاء التوترات السياسية والاجتماعية.
منظمون في موقف حرج
أمام هذا الجدل المتسارع، أصدر مهرجان جلاستونبري بيانًا رسميًا في 29 يونيو، وصف فيه تصريحات بوب فيلان بأنها “مروعة وغير مقبولة على الإطلاق”. وقال متحدث باسم المهرجان:
“كمهرجان، نحن نقف ضد جميع أشكال الحرب والإرهاب. سنظل نؤمن دائمًا بالأمل والوحدة والسلام والمحبة، ونناضل من أجلها بنشاط.”
وأكد البيان أن وجود أي فنان على خشبة مسارح المهرجان لا يُعد تأييدًا ضمنيًا لمعتقداته أو آرائه السياسية، مشيرًا إلى أن المهرجان يستضيف نحو 4000 عرض سنويًا، ولا يمكن مراقبة أو مصادقة كل مضمون يُطرح على خشبة المسرح.
لكن رغم هذا التوضيح، شدّد البيان على أن هتافات بوب فيلان “تجاوزت الخطوط الحمراء”، مشددًا على أنه “لا مكان في جلاستونبري لمعاداة السامية أو خطاب الكراهية أو التحريض على العنف”.
ردود فعل سياسية ودبلوماسية
ردود الفعل الرسمية لم تتأخر، حيث وصف وزير الصحة البريطاني ويس ستريتنج ما جرى بأنه “مروع”، مطالبًا بمحاسبة المسؤولين عن بث هذا المحتوى. وقال في مقابلة مع قناة Sky News:
“أعتقد أن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) ومهرجان جلاستونبري لديهما أسئلة للإجابة عليها. كيف سمحوا لهذا المشهد بأن يُبث على شاشاتنا؟”
وأضاف ستريتنج أن ما حدث كان “حيلة دعائية واضحة” لا تستحق التسامح، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة التطرق إلى الجانب الإنساني من الصراع في غزة، بما في ذلك الهجمات التي تعرضت لها قرية مسيحية مؤخراً من قبل مستوطنين إسرائيليين، في إشارة إلى تعقيد السياق السياسي الذي يُغفل أحيانًا لصالح الشعارات الحادة.
من جهتها، أعربت السفارة الإسرائيلية في لندن عن “انزعاج شديد” مما وصفته بـ”الخطاب التحريضي والبغيض” الذي تم الترويج له علنًا على أحد أكبر مسارح بريطانيا، وطالبت باتخاذ إجراءات قانونية وتنظيمية عاجلة بحق المتورطين.
كما وصفت كيمي بادينوخ، وزيرة الأعمال وزعيمة مجموعة نواب حزب المحافظين السود، ما جرى بأنه “مُقزز وخطير”. وكتبت عبر منصة X (تويتر سابقًا):
“تمجيد العنف ضد اليهود ليس غضبًا شرعيًا. الغرب يلعب بالنار إذا استمر بالسماح لهذا النوع من السلوك دون رادع.”
البي بي سي تحت المجهر
بث هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) للحفل الذي تضمن الهتافات المثيرة للجدل وضعها في موقف لا تُحسد عليه. فقد أعلنت حملة مناهضة معاداة السامية أنها بصدد تقديم شكوى رسمية ضد BBC، ووصفت قرار البث بأنه “مثير للقلق ومخالف للمعايير التحريرية”.
وبينما لم تصدر BBC بيانًا رسميًا حتى لحظة إعداد هذا التقرير، يُتوقع أن تواجه الهيئة ضغوطًا متزايدة من البرلمان والمجتمع المدني، خاصة وأنها تمول من المال العام وتُعتبر واجهة إعلامية تمثل التعدد والاعتدال البريطاني.
جدل الفن والسياسة: من يضع الحدود؟
يثير هذا الحدث المتفجر أسئلة أعمق تتعلق بدور الفنانين والمنصات الفنية في زمن التوترات الجيوسياسية العالمية. فهل يمكن للفن أن يكون مساحة للتعبير الحر حتى وإن تضمن شعارات مستفزة؟ أم أن هناك حدودًا لا يمكن تجاوزها تحت شعار الحرية؟
يرى البعض أن ما جرى في جلاستونبري يعكس تصاعد موجة التسييس في المشهد الثقافي الغربي، حيث أصبحت قضايا مثل فلسطين، أوكرانيا، المناخ، والهوية، جزءًا لا يتجزأ من الخطاب الفني، لكن في المقابل، يطالب آخرون بضرورة فصل الفن عن التحريض والخطاب المتطرف، حفاظًا على السلام الاجتماعي وتجنبًا لاستفزاز مكونات مجتمعية أخرى.
بقدر ما كان مهرجان جلاستونبري 2025 احتفالًا بالموسيقى والحرية، كان أيضًا ساحة اختبار لمدى قدرة الفنون على التوفيق بين التعبير الجريء والمسؤولية الأخلاقية. ومع استمرار التحقيقات، تبقى العيون معلّقة على نتائج “التقييم الأمني”، وعلى مواقف إدارة المهرجان وBBC التي قد تُحدد مستقبل شكل العلاقة بين الفن والسياسة في الفضاءات العامة البريطانية.