الإمارات – السابعة الإخبارية
الجزر.. لطالما سمعنا منذ الطفولة عبارة “كل الجزر عشان يقوي نظرك”، حتى أصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية في مختلف أنحاء العالم. ومع مرور الوقت، بدأ هذا الاعتقاد يتحول من مجرد نصيحة غذائية إلى شبه “حقيقة مطلقة” يتداولها الناس دون تمحيص. ولكن، هل هناك بالفعل أساس علمي لهذا الادعاء؟ أم أن ما قيل عن الجزر لا يتعدى كونه أسطورة غذائية تغذت على ظروف تاريخية؟ هذا ما نحاول استكشافه في السطور التالية، من خلال الجمع بين العلم والتاريخ والغذاء.
ما الذي يميز الجزر غذائيًا؟
الجزر هو أحد أكثر الخضراوات الجذرية انتشارًا واستهلاكًا في العالم، ويعود ذلك لمذاقه اللطيف وسهولة استخدامه في المطبخ. من الناحية الغذائية، يُعد الجزر مصدرًا غنيًا بـ”البيتا كاروتين”، وهو مركب نباتي يتحول داخل الجسم إلى فيتامين A. هذا الفيتامين ضروري للعديد من وظائف الجسم، لكنه معروف بشكل خاص بدوره الحيوي في دعم صحة العين.
كما يحتوي الجزر على مجموعة أخرى من العناصر المفيدة مثل فيتامين C، فيتامين K، البوتاسيوم، ومضادات الأكسدة، مما يجعله غذاءً ممتازًا لدعم مناعة الجسم وصحة الجلد والبصر.

العلاقة بين فيتامين A وصحة العين
لفهم كيفية تأثيره على البصر، يجب التوقف عند دور فيتامين A. هذا الفيتامين أساسي لإنتاج “الرودوبسين”، وهي صبغة موجودة في خلايا شبكية العين، تُستخدم في الرؤية في الضوء الخافت. وبدون مستويات كافية من هذا الفيتامين، يعاني الإنسان من “العمى الليلي”، وهي حالة تجعل من الصعب الرؤية عند انخفاض الإضاءة.
لكن، ما لا يعرفه الكثيرون هو أن تناول كميات زائدة من فيتامين A – سواء من الجزر أو من مكملات غذائية – لا يؤدي إلى تحسين الرؤية الليلية بشكل يفوق الطبيعي، بل قد يُسبب مشاكل صحية مثل تسمم فيتامين A.

هل الجزر يعالج مشاكل النظر؟
من المهم التمييز بين “الحفاظ على صحة العين” و”تحسين النظر”. فهو يساعد على الوقاية من ضعف النظر الناتج عن نقص فيتامين A، لكنه لا يصلح عيوب الإبصار مثل قصر النظر أو طول النظر أو الاستجماتيزم. هذه الحالات تتعلق ببنية العين وليست لها علاقة مباشرة بالتغذية.
بمعنى آخر، هو يساهم في الحفاظ على وظائف العين في حالتها الطبيعية، لكنه لا “يعالج” مشكلات البصر الموجودة مسبقًا، كما يعتقد البعض.
أصل الأسطورة: بروباغندا زمن الحرب
يعود أصل الربط القوي بينه والرؤية الليلية إلى الحرب العالمية الثانية، حين أطلقت الحكومة البريطانية دعاية تقول إن طياريها قادرون على تنفيذ غارات ليلية ناجحة بسبب تناولهم كميات كبيرة من الجزر. الهدف من هذه القصة كان إخفاء تقنية الرادار التي استخدمها الطيارون بالفعل، وفي الوقت نفسه، تشجيع الناس على زراعته لتعويض نقص الغذاء. ومن هنا بدأت الأسطورة، وانتشرت في أنحاء العالم باعتبارها حقيقة غذائية!
ورغم أنه بالفعل يُفيد في حماية العين، فإن المبالغة في أثره جاءت في سياق حرب نفسية أكثر منها توصية غذائية علمية.
ماذا تقول الدراسات الحديثة؟
تشير الدراسات العلمية إلى أن فيتامين A ضروري للبصر، وأن نقصه يؤدي إلى مشاكل مثل جفاف العين والعمى الليلي، وقد يتفاقم ليؤثر على صحة الشبكية والقرنية. لكن الأبحاث أيضًا تؤكد أن من يحصل على الكمية اليومية الموصى بها من هذا الفيتامين لا يحتاج إلى زيادته لتحسين البصر. وتناول المزيد لن يمنح قدرة خارقة على الرؤية الليلية.
كما توصي المؤسسات الصحية بضرورة تنويع مصادر فيتامين A، من خلال تناول الخضراوات الورقية الداكنة مثل السبانخ والكرنب، والفواكه البرتقالية مثل المانجو والبطاطا الحلوة، بالإضافة إلى الكبد الحيواني، الذي يحتوي على أحد أعلى تركيزات الفيتامين.
نصائح غذائية لصحة العين المثالية
• تناول الجزر باعتدال ضمن نظام غذائي متنوع.
• التركيز على الخضروات الورقية، مثل السبانخ والكرنب.
• الحصول على الزنك من البقوليات والمكسرات.
• إدراج مصادر الأوميغا 3، مثل الأسماك الدهنية، لدعم شبكية العين.
• شرب كميات كافية من الماء لتجنّب جفاف العين.
• ارتداء النظارات الشمسية لحماية العين من الأشعة فوق البنفسجية.
رغم أنه بالفعل مفيد لصحة العين ويساهم في الوقاية من أمراضها، إلا أن القول بأنه “يقوي النظر” أو “يعالج مشاكل الرؤية” فيه مبالغة. تناول الجزر يجب أن يكون جزءًا من نظام غذائي متوازن، وليس الحل السحري لمشاكل النظر. وبينما تبقى الأسطورة قائمة، فإن الحقيقة العلمية تؤكد أن سر البصر القوي لا يكمن في نوع واحد من الطعام، بل في نمط حياة صحي متكامل يشمل الغذاء والنوم والوقاية.
