أمريكا، محمد الصو – السابعة الاخبارية
تايلور سويفت، تعود تايلور سويفت إلى جمهورها هذه المرة ليس عبر ألبوم جديد أو جولة إضافية، بل من خلال سلسلة وثائقية تكشف للمرة الأولى طبقات العتمة التي رافقت واحدة من أضخم الجولات الموسيقية في التاريخ. وثائقي Taylor Swift: The Eras Tour | The End of an Era الذي أطلقت منصة Disney+ أول حلقتين منه في 12 ديسمبر، لا يقدّم عرضاً مبهراً لكواليس الموسيقى فحسب، بل يقترب بجرأة من لحظات الضعف والخوف والضغط النفسي التي عاشتها النجمة خلال عام وصفته بأنه “الأثقل” في مسيرتها.
العمل، المكوّن من ست حلقات، يبدأ من نقطة ساخنة: إلغاء حفلات فيينا في آب 2024 بعد تهديد إرهابي خطير استهدف—وفق الجهات الأمنية—قتل “عشرات الآلاف”. هذه الواقعة لم تُلغِ فقط ثلاثة عروض ضخمة، بل تركت جرحاً داخلياً في سويفت يظهر بوضوح في لقطات الفندق التي تفتتح بها الحلقة الأولى. تقول بصوت مضطرب: “قدّمنا نحو 128 حفلاً، لكن هذه المرة أشعر وكأنني أسير على جليد رقيق… لقد تفادينا وضعاً كان يمكن أن يتحول إلى مجزرة.”
هكذا يضع الوثائقي المشاهد مباشرة داخل قلب العاصفة التي عاشتها.
تايلور سويفت وعودة ثقيلة إلى المسرح… وكواليس لا تشبه البريق
تتابع الكاميرا رحلة عودة سويفت إلى المسرح بعد الحادثة، وتحديداً إلى لندن، حيث كانت تحاول استرجاع جزء من ثقتها التي بدت مفقودة. تتحدث والدتها أندريا في أحد المشاهد بصدق مؤلم: “عندما تكون قائد العرض، عليك أن تُبقي مخاوفك بعيداً عن الجمهور.”
هذه العبارة تلخّص جزءاً كبيراً من فلسفة تايلور سويفت الفنية: مهما اشتدّ الخوف، العرض يجب أن يستمر. لكن الوثائقي يكشف أن الأمر أبعد من مجرد مهنية عالية؛ هناك صراع نفسي حاد يدور خلف الكواليس، بين الرغبة في إسعاد الجمهور والرعب من أن يتحوّل المسرح إلى ساحة تهديد جديدة.

ولم يكن التوتر مرتبطاً فقط بتهديدات فيينا. فحادثة الطعن التي شهدتها ليفربول خلال حفل مستوحى من موسيقاها، والتي راح ضحيتها أطفال، تركت أثراً بالغاً فيها. تظهر سويفت في أحد المقاطع غير قادرة على شرح مشاعرها، وكأنها تحاول استيعاب مسؤولية عاطفية لا تُحتمل: أعمالها كانت سبباً في اجتماع الناس، لكنها كانت أيضاً خلف مأساة لم تتخيل حدوثها.
لحظات إنسانية… من إد شيران إلى ترافيس كيلسي
رغم ثقل الأحداث، يحرص الوثائقي على التقاط لحظات أمل ودعم إنساني. في البروفات، يظهر صديقها المغني إد شيران إلى جانبها، يساندها بطريقة تلقائية تُخرج منها شيئاً من خفتها المعتادة. هذا النوع من العلاقات الإنسانية الصغيرة هو ما يعيد إليها طاقتها، وفق ما يظهر في الحلقات الأولى.
وحين تنتهي من أول حفلة لها بعد تهديد فيينا، تخرج سويفت إلى خلف الكواليس وهي تصرخ بحماس طفولي: “لقد عدنا!”
بعدها مباشرة يأتي اتصالها بخطيبها لاعب الـNFL ترافيس كيلسي، الذي يقول لها: “أسمع ذلك في صوتك.”
لحظة قصيرة لكنها تكشف التوازن الذي يخلقه كيلسي في حياتها، بين عالم الأضواء وعالمها الشخصي.
مأساة ساوثبورت… وحفلات لندن بقلوب مثقلة
يستعرض الوثائقي أيضاً حادثة أخرى ألقت بظلّ ثقيل على عروض لندن: الهجوم المروّع في ساوثبورت البريطانية في 29 يوليو، الذي قُتل فيه ثلاثة أطفال كانوا يشاركون في نشاط رقص مستوحى من موسيقى سويفت. لا تخفي النجمة صعوبة استيعابها للحدث، فتقول إن دخولها المسرح بعدها كان يشبه شعور “طيار يواجه مطبّات هوائية”.
قبل أحد حفلات لندن تظهر وهي تمسح دموعها وتقول: “سأقابل بعض العائلات الليلة… ثم أصعد لأقدّم حفلاً بوب… لا يمكنني أن أكون هكذا.”
تلك الجملة تكشف القفزة العاطفية الهائلة التي تضطر لتجاوزها في ثوانٍ بين كواليس يغلب عليها الحزن ومسرح ينتظر الفرح.
وعندما تلتقي عائلات الضحايا تنهار بالبكاء، في مشهد يُعد من أكثر لحظات السلسلة تأثيراً. والدتها تحاول مواساتها بقولها: “أعرف أنك ساعدتهم… حتى لو لا يبدو الأمر كذلك الآن.”
هنا يتجلّى الوثائقي كعمل إنساني أكثر منه استعراضياً، يكشف ثمن الشهرة حين تتقاطع مع المآسي العامة.
من قلب الألم… إلى الإبداع
رغم أن العام كان من أصعب أعوامها، إلا أنّ سويفت لم تتوقف عن الإبداع. فبالتزامن مع إطلاق السلسلة الوثائقية، ظهر أيضاً فيلم The Eras Tour | The Final Show الذي يوثق آخر عروضها في فانكوفر في ديسمبر 2024. كما حقق ألبومها الثاني عشر The Life of a Showgirl أرقاماً قياسية، مؤكداً قدرتها على تحويل الألم إلى فن، والخوف إلى قوة دفع جديدة.

هذا التباين بين هشاشتها الخاصة وصلابتها الفنية هو ما يجعل الوثائقي استثنائياً. فهو لا يكتفي بعرض لقطات جميلة من جولة أسطورية، بل يكشف الجانب الخفي الذي غالباً ما يُطمس تحت طبقات من البريق: هشاشة الإنسان خلف الأيقونة.
ختام… ما الذي يجعل الوثائقي مهماً؟
The End of an Era ليس مجرد توثيق لجولة عملاقة، بل شهادة صادقة عن لحظة مفصلية في حياة تايلور سويفت. إنها رحلة بين الخوف والشجاعة، بين الأضواء المبهرة والحقيقة البعيدة عنها، بين مسؤولية جماهيرية ضخمة ورغبة شخصية بسيطة في الاستمرار.
