الإمارات – السابعة الإخبارية
طلاب الجامعات.. في خطوة غير مسبوقة على مستوى المنطقة، أقرّت دولة الإمارات قانونًا اتحاديًا يُحدث نقلة نوعية في فلسفة التعليم العالي، ويعزز من مكانة الطالب كشريك أساسي في صناعة القرار الأكاديمي. لم يعد طلاب الجامعات الإماراتية مجرّد متلقٍ للمعلومة، بل تحوّل إلى عنصر فاعل في تصميم المحتوى الأكاديمي، وتطوير بيئة التعليم، بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية.
القانون الاتحادي رقم (48) لسنة 2021 بشأن تنظيم التعليم العالي، يشكّل علامة فارقة في تطور السياسات التعليمية بالدولة، حيث وضع إطارًا تشريعيًا متقدمًا يرسّخ حقوق الطلبة، ويمنحهم مساحة حقيقية للمشاركة في صياغة البرامج الدراسية وتقييمها، فضلًا عن تعزيز مبادئ العدالة والشفافية داخل الحرم الجامعي وبين طلاب الجامعات.

من التلقين إلى الشراكة المعرفية
لم يعد مفهوم التعليم العالي في الإمارات قائمًا على العلاقة العمودية التقليدية بين الأستاذ والطالب، أو بين الإدارة والطلبة، بل انتقل إلى نموذج تشاركي حديث، يقوم على الحوار، والمساءلة، والتفاعل البنّاء.
ينصّ القانون بوضوح على ضرورة إشراك الطلبة في الحوكمة الأكاديمية للمؤسسات، بما في ذلك المشاركة في مراجعة المناهج، واقتراح تعديلات على البرامج التعليمية، وإبداء الرأي في طرق التدريس والتقييم. هذا التحول الجوهري في العلاقة بين الطالب والمؤسسة التعليمية يعكس تبنّي الإمارات لنهج التعليم القائم على الحقوق، لا فقط على الواجبات.
لوائح تنفيذية لضمان الفاعلية
ولترجمة القانون على أرض الواقع، تم إصدار لوائح تنفيذية ملزمة لكافة مؤسسات التعليم العالي، تنصّ على إنشاء وحدات خاصة داخل الجامعات تحت مسمى “دعم الطلبة”، تكون مهمتها تلقي الشكاوى الأكاديمية والسلوكية والإدارية، ومتابعتها بشكل محايد وشفاف.
كما أُجبرت الجامعات على صياغة سياسات مكتوبة توضح للطلبة حقوقهم منذ اليوم الأول للتسجيل، بما في ذلك طرق تقييمهم، ومعايير التظلم، وآليات مراجعة الدرجات، وسبل الاعتراض على الإجراءات التأديبية.
ولضمان حماية الطلبة، شددت اللوائح على سرية البيانات الشخصية، ومنع أي نوع من العقوبات الانتقامية ضد من يمارس حقه في الشكوى أو النقد البنّاء.
بيئة تعليمية متكاملة
يركّز القانون كذلك على توفير بيئة تعليمية صحية وآمنة ومتكافئة الفرص، حيث لم تعد جودة التعليم تُقاس فقط بالمناهج والمرافق، بل أيضًا بمدى تمكين الطلبة من ممارسة حقوقهم، وشعورهم بالعدالة والمساواة داخل الحرم الجامعي.
ويؤكد مشرّعو القانون أن إشراك الطلبة في العملية التعليمية هو جزء من استراتيجية أوسع لرفع مستوى جودة التعليم العالي في الدولة، عبر ترسيخ ثقافة المسؤولية المشتركة بين الطالب والأستاذ والإدارة، بما يؤدي إلى مخرجات تعليمية أكثر نضجًا واتساقًا مع احتياجات سوق العمل والمجتمع.
نحو نموذج إماراتي فريد في التعليم
تشير القراءات التحليلية لهذا التوجه التشريعي إلى أن الإمارات تسعى لبناء نموذج فريد في التعليم الجامعي، يتجاوز النسخ التقليدية المأخوذة من الغرب، ويعكس هوية وطنية قائمة على الانفتاح والابتكار والاستباقية.
فإعطاء الطالب دورًا في صياغة المناهج لا يعني فقط تحسين المادة العلمية، بل يُسهم في بناء شخصية قيادية قادرة على النقد الذاتي، والتفكير التحليلي، والمشاركة المجتمعية، وهي صفات تعتبر ضرورية في جيل المستقبل الذي تراهن عليه الدولة لتحقيق رؤيتها التنموية.

تأثيرات محتملة على مستقبل التعليم
من المتوقع أن تؤثر هذه السياسات على آليات الاعتماد الأكاديمي، وتقييم جودة المؤسسات الجامعية في الإمارات، حيث سيصبح مدى إشراك الطلبة في صنع القرار أحد المؤشرات الأساسية في تقييم أي جامعة.
كما قد تُسهم هذه المبادرات في تقليل فجوة الثقة بين الطلبة والإدارة، وتعزيز الولاء المؤسسي، وزيادة معدلات الرضا الطلابي، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على مستوى التحصيل الأكاديمي والابتكار.
خطوة نحو المستقبل
إجمالًا، يمكن القول إن القانون الاتحادي رقم 48 لسنة 2021، وما تلاه من لوائح تنظيمية، يمثّل تحولًا جذريًا في الفكر التربوي الإماراتي، حيث يعكس رؤية تؤمن بأن الطالب ليس مجرد رقم في سجل أكاديمي، بل شريك في بناء المعرفة وصناعة المستقبل.
هذه الخطوة تعزز موقع الإمارات في مصاف الدول المتقدمة في التعليم، وتبعث برسالة واضحة مفادها أن التعليم الجيد لا يكون إلا عندما يصبح المتعلم شريكًا فيه، لا تابعًا له.
