الإمارات – السابعة الإخبارية
خطت دولة الإمارات خطوة تشريعية مفصلية نحو إعادة تنظيم منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، بعد صدور مرسوم بقانون اتحادي جديد يهدف إلى بناء إطار وطني متكامل يُعزز الحوكمة، ويرفع جودة المخرجات التعليمية، ويُرسّخ تنافسية مؤسسات التعليم العالي، بما يواكب التحولات المتسارعة في سوق العمل ويخدم رؤية الدولة للتنمية المستدامة والتعلّم مدى الحياة.
ويأتي هذا التشريع في سياق توجه وطني شامل لإعادة مواءمة منظومة التعليم العالي مع متطلبات الاقتصاد المعرفي، من خلال ربط البرامج الأكاديمية والمهنية بالاحتياجات المستقبلية، وتوحيد المرجعيات التنظيمية، وضمان التكامل بين التعليم العام والتعليم العالي ضمن رؤية استراتيجية طويلة المدى.

نطاق التطبيق ورؤية متكاملة
يسري المرسوم بقانون على جميع مؤسسات التعليم العالي في الدولة، إضافة إلى مؤسسات التعليم والتدريب التقني والمهني التي تقدم برامج معتمدة أعلى من شهادة الثانوية العامة وفق الإطار الوطني للمؤهلات. ويؤكد القانون على ضرورة تطوير برامج تعليمية مرنة ومبتكرة، تستجيب للتغيرات العلمية والتكنولوجية، وتُسهم في إعداد كوادر وطنية قادرة على المنافسة في سوق العمل المحلي والعالمي.
كما يُحدد المرسوم مراحل التعليم العالي بما يتوافق مع مستويات الإطار الوطني للمؤهلات، بما يضمن وضوح المسارات التعليمية، وسهولة الانتقال بين المراحل، وتعزيز الاعتراف بالمؤهلات محلياً ودولياً.
أطر وطنية مرجعية موحدة
وينص المرسوم بقانون على اعتماد أطر وطنية موحدة لتنظيم التعليم العالي والبحث العلمي، تُصدر بقرار من مجلس الوزراء بعد موافقة مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع. وتشمل هذه الأطر: الإطار الوطني لترخيص مؤسسات التعليم العالي، والإطار الوطني للمؤهلات، والإطار الوطني لتصنيف مؤسسات التعليم العالي وجودة أدائها، إضافة إلى الإطار الوطني للبحث العلمي، والإطار الوطني للتعليم والتدريب التقني والمهني.
وتُعد هذه الأطر مرجعية أساسية لضمان الجودة والشفافية، وقياس الأداء المؤسسي، وتنظيم البحث العلمي وفق أولويات وطنية واضحة، بما يعزز مكانة الدولة كمركز إقليمي للتعليم العالي والابتكار.
ضوابط صارمة للترخيص والاعتماد
ويضع التشريع قواعد واضحة لتنظيم ترخيص مؤسسات التعليم العالي، حيث يحظر إنشاء أو تشغيل أي مؤسسة أو الترويج لبرامجها دون الحصول على ترخيص مؤسسي من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. كما يشترط استيفاء متطلبات مالية وإدارية وأكاديمية، والحصول على التصاريح المحلية اللازمة، والالتزام بمعايير السلامة والجودة.
وفيما يتعلق بالبرامج الأكاديمية، يُلزم القانون المؤسسات بالحصول على الاعتماد البرامجي قبل طرح أي برنامج أو قبول الطلبة فيه، مع تحديد مدد الاعتماد وآليات التقييم والتجديد. كما يتيح الاعتراف بالبرامج الحاصلة على اعتمادات دولية معتمدة، شريطة توافقها مع المعايير الوطنية.
تصنيف وتقييم دوري
وتخضع جميع مؤسسات التعليم العالي المرخصة لعمليات تصنيف وتقييم دوري وفق الأطر الوطنية المعتمدة، على أن تُنشر نتائج التصنيف بعد اعتمادها رسمياً، بما يعزز الشفافية ويُمكّن الطلبة والمجتمع من الاطلاع على مستوى أداء المؤسسات التعليمية.

التزامات مؤسسية وحوكمة
ويُقر المرسوم بقانون مجموعة من الالتزامات على مؤسسات التعليم العالي، من أبرزها الحصول على موافقات مسبقة قبل إجراء أي تغييرات جوهرية، والالتزام بتوفير البيانات المطلوبة، وتمكين أعمال الرقابة والتدقيق، وتطبيق مبادئ الحوكمة والنزاهة الأكاديمية، إلى جانب دعم التحول الرقمي وتبني ممارسات مستدامة في إدارة الموارد.
كما يُنظم التعليم الإلكتروني والبرامج المدمجة، ويُلزم المؤسسات بتطبيق معايير جودة معتمدة، وضمان حماية البيانات وحقوق الملكية الفكرية، وتعزيز التفاعل الفعّال بين الطلبة وأعضاء هيئة التدريس.
تنظيم المناطق الحرة والتعليم المهني
ويولي التشريع اهتماماً خاصاً بمؤسسات التعليم العالي العاملة في المناطق الحرة، حيث يُلزمها بالحصول على التصاريح المحلية والترخيص الاتحادي، والخضوع لمعايير الاعتماد والرقابة. كما يُنظم قطاع التعليم والتدريب التقني والمهني، ويحدد اشتراطات الاعتماد المؤسسي والبرامجي للمؤهلات المهنية.
سجلات وطنية وعقوبات رادعة
وينص المرسوم على إنشاء سجلات وطنية موحدة لمؤسسات التعليم العالي والبرامج المعتمدة، بما يُسهم في توحيد البيانات وتعزيز التكامل المؤسسي. كما يفرض عقوبات صارمة تصل إلى الحبس أو الغرامة التي قد تبلغ 10 ملايين درهم بحق المخالفين.
ويؤكد هذا التشريع التزام دولة الإمارات ببناء منظومة تعليم عالٍ مرنة، قائمة على الجودة والحوكمة والابتكار، وقادرة على إعداد أجيال مؤهلة لمتطلبات المستقبل، وترسيخ مكانة الدولة كمركز عالمي للتعليم العالي والبحث العلمي.
