السويس – السابعة الاخبارية
تصادم عنيف، في ساعات الفجر الباكر، وبين امتداد الطريق الصحراوي الذي يربط بين القاهرة والسويس، وقع حادث مروع بعبارات الدهشة والخوف، تصادم عنيف بين تريلات وأتوبيسات وسيارات ملاكي، أسفر عنه وفاة عدد من الأبرياء وإصابة العشرات. المشهد بدا وكأنه مشهد من كارثة تفوق الوصف؛ سيارات محطمة، جثث مُلقاة، وصرخات استغاثة تُسمع في الأفق. كل سيارة يبدو أنها تحمل قصة، وكل ضحية لها وجه وأحلام توقّف بها الزمن.
الأنباء الأولية تشير إلى أن الحادث وقع في الكيلو 61 بطريق السويس – القاهرة، حيث اصطدمت مركبات من أنواع مختلفة — شاحنة ضخمة (تريلا) مع أتوبيس ومركبات ملاكي — ما أدى إلى انقلاب بعضها وتكدّس الحطام في عرض الطريق. السلطات الأمنية وطوارئ الإسعاف تحركت فورًا، و15 سيارة إسعاف أو أكثر دخلت ميدان العمل، في سباق مع الزمن لإنقاذ من لا تزال أنفاسهم عالقة بين الحياة والموت.
ما زاد المأساة وقع الحادث على طريق صحراوي، حيث الشتات طويل بين نقاط الإسعاف والمستشفيات، وانقطاع الاتصالات أحيانًا أو تأخر وصول الفرق. هذا كله يزيد من حجم الألم الذي تجرّعه المصاب والضحية وعائلته.
تصادم عنيف.. لماذا وقع الحادث؟ السرعة الزائدة ومزيج المركبات
في خلفية المأساة يبرز عامل السرعة الزائدة كالمشتبه به الأول، في ظل ظروف الطريق الصحراوية التي قد تكون محفوفة بالمخاطر. تقارير أولية من جهات التحقيق أشارت إلى أن إحدى الشاحنات كانت تسير بسرعة كبيرة، ومعها مركبات أخرى تحاول التجاوز أو المناورة، فحدث التصادم المفاجئ الذي لم يُفلح أحد في تفاديه. المشهد المرعب يعكس معادلة قاتلة: سرعة + كثافة المركبات + نقص هامش الخطأ = كارثة.

بالإضافة إلى السرعة، فإن تنوع المركبات المتوجدة في الحادث — من شاحنات ضخمة إلى أتوبيسات نقل جماعي وسيارات ملاكي — أضاف بعدًا من التعقيد. تلك الشاحنات تحمل أوزانًا تفوق قدرة الفرامل على التوقف المفاجئ، والأتوبيس مليء بالركاب، والسيارات الصغيرة لا تستطيع أن تتحمّل قوة الاصطدام. هذا المزيج يجعل أي خطأ صغير كارثيًا.
كما يُرجّح أن الرؤية أو الإضاءة أو ظروف الطريق (زنقة ضيقة، حواجز، أو احتمالية وجود عوائق على الطريق) لعبت دورًا في النهاية المريرة. التحقيقات الآن تُركّز على كاميرات المراقبة، بيان السرعة، وفحص شظايا الحوادث لتحديد من بدأ التصادم ومن حاول تفاديه دون جدوى.
لحظات مؤلمة ووجع الشهود
أحد الشهود الذين حضروا الموقف وصف الأمر قائلاً: رأيت سيارات تنقلب، أناس يصرخون يطلبون المساعدة، وأجساد ملقاة على الأرض. لم يكن هناك صمت إلا من نوع حينما يصمت القلب عن الكلام. أطفال يترنحون خارج الحافلات، أشخاص يعانون لإخراج من هم محاصرون داخل الحديد الملتوي.
ولعل أنفاس الحضور، بعضهم يجري بمعدته مثقوبة، البعض الآخر يحمل ركابًا من سياراتهم إلى سيارات إسعاف، أثبتت أن في المصريين — رغم كل شيء — ذرة شهامة لا تخبو، وأن لحظة الكارثة تُظهر كيف يتحول الإنسان إلى إنسان حين تنكسر الجدران. في الصور التي تُنشر الآن، ترى رجالًا عاديين يقفون بجانب الحطام، يُساعدون مصابين، يفتحون الأبواب المكسورة، ينهضون الجرحى، يتبادلون الأدوار حتى وصول الأجهزة الرسمية.
وذهبت سيارة إسعاف في اتجاه سريع، وداخلها مصاب تتلوى ساقه في ألم، بينما نظرة ممرضة تلاحقها عيون أهلها على الجهة الأخرى من الطريق، كأن تلك اللحظة تجمع بين الأمل واليأس في زاوية ضيقة. وما زاد الصدمة أن بعض المصابين كانوا في رحلات عائلية عادية، أو في طريقهم لقضاء مهمة، لا يتوقعون أن يتحول يومهم البسيط إلى لحظة فاجعة.
الدم يمحو الفوارق وجراح الحوادث لا تُنسى
حين يفقد الإنسان رجله أو يُسحب من بين الأنقاض، لا يسأل إن كان غنيًا أو فقيرًا، إنما يسأل فقط عن من يساعده. هؤلاء الضحايا والمصابون اليوم لن يُعرفوا أسماؤهم في الصحف إلا إذا كان صوتهم أعلى من الجرح. ولكنهم الآن بين الأنابيب والمحقنات، يستجدّون عدالة وعددًا من الأرواح تهتزّ في التواهي.
الحادث يُعيد تساؤلًا مرة أخرى: كيف يمكن أن نُقلل من مثل هذه الكوارث؟ هل هي بنية تحتية أفضل، أم قوانين صارمة تُنفَّذ؟ هل تُشدد الرقابة على الشاحنات؟ هل تُحدد سرعات قصوى؟ هل يُحسن الصيانة للطريق؟ أم أن الإرادة القانونية والعقاب الرادع هي التي تصنع الفرق؟
المهم الآن أن نُسأل كمجتمع: كم عدد الضحايا الذين نحتفظ بهم في ذاكرتنا؟ كم منهم نكتب اسمه في صفحات العدالة؟ كم منهم نسيناهم بعد أسبوع؟ إن شاهدت صورة طفل ممدد على الأسفلت، فكر أنه قد يكون ابنك أو ابن أي منا لو التقلبات تأخرت لحظة.
دعوة للقانون وواجب الدولة تجاه الضحايا
النيابة العامة والجهات الأمنية تحركت فورًا؛ تحقيقات تجري، فحص فني للمركبات، تقييم أداء السائقين، تحاليل السرعة، وربما توجيه تهم تتعلق بالإهمال والتسبب في وفاة. لكن في قلب هذه الأجهزة يجب أن يكون واجب إنساني: تقديم الرعاية الكاملة للمصابين، توفير دماء، غرف عمليات، تصوير طبي سريع، تأمين أسر الضحايا.
كما يجب أن تتحول هذه المأساة إلى نقطة انطلاق لقرارات صارمة: تحديد السرعة على الطرق الصحراوية، مراقبة وزن الشاحنات، نقاط التفتيش المستمرة، تدريب السائقين، وإنفاذ العقوبات بجدّية. القانون ليس ورقة تُكتب فقط، بل يجب أن يكون سيفًا يُلامس واقع الطريق وعواقب الحادث.
وعلى المواطن أيضًا دور: الالتزام بالقانون، تجنب التجاوزات الخطيرة، وعدم الانجراف خلف السرعة أو الاستهانة بأرواح الأشخاص. فكل سيارة تُقاد فوق السرعة هي قنبلة موقوتة.

في الختام: الألم وحده لا يكفي
حينما تُجهِد الكلمات لتصف حادثًا مثل هذا، تكتشف أنها عاجزة عن حمل ثقل الدم والوجع. لكن يجب أن تكتب هذه الكلمات، أن ندوّنها، أن نُصرّ على ألا يمر الحادث كأنه مشهد عابر يُنقل من صفحة الحوادث إلى صفحة النسيان.
فلنرفع صرخة مع كل مصاب: ليس من حق أيّ سائق أن يحوّل حياة إنسان إلى ذاكرة مؤلمة. ليس من حق الطريق أن يُبتلع أرواحنا دون حساب. وحتّى لو تعددت الأسباب والعوامل، فإن العدل الحقيقي يبدأ من أن تُستعاد كرامة الضحايا، وتُحاسب مَن تسبب في ذرف دمائهم.
