لبنان – السابعة الإخبارية
فضل شاكر.. بعد أكثر من عقد على واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في لبنان، كشفت تقارير إعلامية حديثة عن تطورات بارزة في ملف الفنان فضل شاكر، الذي ارتبط اسمه لسنوات بأحداث عبرا عام 2013.
ووفقًا لمصادر قضائية مطلعة، فإن التحقيقات الأولية أوصت ببراءة الفنان اللبناني من جميع التهم المنسوبة إليه، مؤكدة عدم وجود أي دليل يثبت تورطه في الاشتباكات التي وقعت بين الجيش اللبناني ومجموعة الشيخ أحمد الأسير في مدينة عبرا جنوبي البلاد.

توصية رسمية بإعادة النظر في الملف
وأشارت التقارير إلى أن التحقيقات الحديثة داخل المحكمة العسكرية اللبنانية استندت إلى شهادات ومعطيات جديدة، أعادت تقييم الأدلة التي تم الاعتماد عليها خلال السنوات الماضية.
وأكدت المصادر أن التوصية الرسمية طالبت بإعادة النظر في كامل الملف القضائي، بعدما تبين أن بعض الشهادات القديمة لم تكن دقيقة، وأن ظروف المرحلة السياسية والأمنية حينها ربما أثّرت على مجريات القضية.
وقالت التقارير إن نتائج التحقيقات الأخيرة خلصت إلى أن فضل شاكر لم يشارك في أي عمل مسلح أو تحريضي ضد الجيش اللبناني، لا بشكل مباشر ولا غير مباشر، كما لم تُثبت عليه أي صلة تنظيمية أو تمويلية بالمجموعات المسلحة التي خاضت المعارك آنذاك.
وأضافت المصادر أن الملف بات الآن في عهدة المحكمة العسكرية التي ستتولى مراجعة التوصيات تمهيدًا لإصدار حكمها النهائي خلال الفترة المقبلة، ما يُعد تطورًا محوريًا في مسار القضية التي امتدت لأكثر من 12 عامًا بين جلسات وتأجيلات ومرافعات.
قضية شغلت الرأي العام
تُعد قضية فضل شاكر واحدة من أكثر القضايا التي أثارت انقسامًا في الشارع اللبناني، إذ تحوّل الفنان المعروف بصوته الطربي وشهرته الواسعة إلى شخصية مثيرة للجدل بعد ظهوره في مقاطع مصوّرة عام 2013 إلى جانب الشيخ أحمد الأسير، حيث وُجهت إليه اتهامات بالمشاركة في التحريض على الدولة والجيش.
واندلعت آنذاك اشتباكات عنيفة بين الجيش اللبناني وأنصار الأسير في منطقة عبرا شرق مدينة صيدا، أسفرت عن استشهاد عدد من العسكريين، ما جعل القضية تأخذ بعدًا وطنيًا حساسًا، لتبدأ بعدها رحلة طويلة من التحقيقات والملاحقات القانونية.
ورغم اختفاء شاكر عن الأضواء لفترة طويلة، فإن صوره ومقاطع ظهوره القديمة ظلت تُستخدم كدليل إدانة، قبل أن يبدأ في السنوات الأخيرة محاولاته القانونية لتصحيح مسار القضية وإثبات براءته.
فضل شاكر: “ثقتي بالعدالة لم تهتز”
وكان الفنان فضل شاكر قد عبّر مرارًا عن ثقته في القضاء اللبناني، مؤكّدًا في أكثر من مناسبة أنه تعرض لظلم كبير وتشويه متعمد، سواء من بعض الجهات السياسية أو وسائل الإعلام.
وقال في بيان سابق:“مررت بمرحلة فكرية متشددة، نعم، لكنني لم أرفع يومًا سلاحًا في وجه الجيش اللبناني، ولم أشارك في أي عمل عدائي. كنت فنانًا أحب الحياة، لكنني وجدت نفسي وسط عاصفة لم أكن طرفًا فيها.”
وأضاف شاكر في تصريحاته أن السنوات التي قضاها بين الملاحقة والانعزال كانت قاسية، لكنها جعلته أقرب إلى الإيمان بقدرة العدالة على إنصاف المظلوم، موضحًا:
“انتظرت هذا اليوم طويلاً، وأنا مؤمن أن الحقيقة ستظهر مهما طال الزمن.”

من التوبة إلى العودة الفنية
بعد خروجه من العزلة الطويلة، حاول فضل شاكر استعادة حياته الطبيعية والفنية تدريجيًا، حيث قدّم في السنوات الأخيرة عددًا من الأغنيات الجديدة التي لاقت تفاعلًا كبيرًا من جمهوره في العالم العربي، أبرزها “ليه الجرح”، و“يلا مع السلامة”، و“غيب”.
ورغم أن عودته إلى الساحة الفنية قوبلت بتباين في المواقف، بين من رأى فيها توبة صادقة ومن اعتبرها محاولة لتبييض الصورة، إلا أن جمهور شاكر ظل وفيًا له، متشبثًا بفنه وصوته الذي ارتبط بذاكرة الغناء العربي الحديث.
كما حرص الفنان في أكثر من ظهور إعلامي على التأكيد أن تجربته القاسية جعلته أكثر نضجًا واتزانًا، قائلاً:
“تعلمت أن الشهرة لا تساوي شيئًا أمام راحة الضمير، وأن الفنان الحقيقي مسؤول عن كل كلمة وموقف يصدر عنه.”
العدالة على أعتاب الحسم
وبينما لم يصدر بعد الحكم النهائي في القضية، فإن التوصية ببراءة فضل شاكر تُعد خطوة قضائية مهمة نحو إغلاق واحد من أكثر الملفات حساسية في لبنان خلال العقد الماضي.
ويرى مراقبون أن إعادة النظر في القضية تعكس رغبة واضحة من المؤسسات القضائية في تصحيح مسار العدالة وفصلها عن التجاذبات السياسية والإعلامية التي رافقت الملف منذ بدايته.
ويترقب الشارع اللبناني خلال الأسابيع المقبلة ما ستؤول إليه الإجراءات القانونية، في وقت تتزايد فيه المؤشرات على أن فضل شاكر قد يكون قريبًا جدًا من استعادة حريته الكاملة وطيّ صفحة الماضي نهائيًا.
سواء أكانت البراءة المنتظرة نهاية لقصة مؤلمة أو بداية لمرحلة جديدة، فإن تجربة فضل شاكر تبقى درسًا قاسيًا في تقاطع الفن والسياسة والدين في العالم العربي، وفي كيفية تحوّل الفنان من رمزٍ للجمال إلى مادةٍ للجدل، ثم إلى نموذج للبحث عن الخلاص والعدالة.
ومهما كانت النهاية، فإن قصة فضل شاكر تعيد التذكير بأن الحقيقة، مهما تأخرت، لا تموت.