السعودية- السابعة الإخبارية
الكعبة.. تشهد مكة المكرمة في الساعات الأولى من فجر الجمعة حدثاً فلكياً فريداً يترقبه عشاق السماء وعلماء الفلك على حد سواء، حيث يتعامد القمر الأحدب المتناقص على الكعبة المشرفة، في لوحة كونية بديعة تثير الدهشة وتدعو للتأمل. هذا الحدث الذي يجمع بين الدقة العلمية والجمال البصري يسلّط الضوء على التناغم العجيب بين حركة الأجرام السماوية والمواقع الأرضية، ويؤكد مرة أخرى مكانة مكة المكرمة كمركز روحي وجغرافي مميز.

مشهد نادر فوق أقدس بقاع الأرض
بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السعودية عن رئيس الجمعية الفلكية بجدة، المهندس ماجد أبو زاهرة، فإن لحظة التعامد تعد حدثاً فلكياً يمكن ملاحظته بالعين المجردة بسهولة، إذ سيشاهد القمر وكأنه يعلو الكعبة مباشرة في لحظة دقيقة، ليشكل مشهداً مهيباً يجمع بين سحر الطبيعة وروعة المكان.
وللزوار والمصلين في المسجد الحرام، يمثل هذا المشهد تجربة استثنائية، إذ يرون القمر في وضع لا يتكرر كثيراً، كأنه يرسم بخطوط ضوئية ناعمة اتصالاً بين السماء والأرض.
أهمية علمية ورصدية
إلى جانب جماليات الظاهرة، فإن لها قيمة علمية كبيرة. فهي تعد بمثابة “اختبار عملي” لحسابات الفلكيين حول حركة القمر ومداراته. إذ يمكن مقارنة التوقعات الرياضية بالحقيقة المرصودة، وتحليل الزوايا ودرجات الارتفاع. هذه الدقة تعزز من الثقة في النماذج الفلكية، وتفتح الباب لمزيد من الدراسات التي تساعد في تطوير أساليب التنبؤ بحركة الأجرام السماوية.
ويشير أبو زاهرة إلى أن هذه الظاهرة تقدم فرصة عملية لتأكيد دقة الحسابات الفلكية، موضحاً أن التعامد يساعد على معرفة الموقع الحقيقي للقمر، وبالتالي يمكن استغلاله في أغراض عملية مثل تحديد اتجاه القبلة من أي مكان في العالم بطريقة مباشرة.
البعد الروحي والإنساني
لا شك أن وقوع هذا التعامد تحديداً فوق الكعبة المشرفة يضفي على الظاهرة بعداً روحياً عميقاً. فالمسلمون في شتى بقاع الأرض يتجهون نحو هذه البقعة الطاهرة في صلواتهم، ومع تعامد القمر عليها، يزداد الإحساس بالصلة الوثيقة بين الكون وخالقه، وبين الإنسان ومكان عبادته.
وقد يرى البعض في هذا الحدث رسالة للتأمل في عظمة الخلق وإبداع النظام الكوني الذي يسير وفق قوانين دقيقة لا تختل، حيث تتجلى قدرة الله في جعل هذا الكون منسجماً ومترابطاً على هذا النحو البديع.

بين الماضي والحاضر
من المعروف أن علماء المسلمين قديماً أولوا عناية خاصة بمتابعة حركة الأجرام السماوية، لما لها من دور في تحديد الاتجاهات والمواقيت. واليوم، يأتي هذا التعامد ليعيد إلى الأذهان تلك الجهود التي مكنت المسلمين من تطوير علم الفلك في عصوره الذهبية. ومع تطور التكنولوجيا الحديثة، أصبح من الممكن رصد هذه الظواهر بشكل أكثر دقة وتوثيقها لحظة بلحظة، إلا أن جوهرها يظل كما هو: الجمع بين العلم والإيمان.
رسالة إلى العالم
يمثل هذا الحدث أيضاً فرصة لنقل صورة إيجابية عن مكة المكرمة للعالم بأسره، ليس فقط كمركز ديني وروحي، بل كموقع يمكن من خلاله رصد ظواهر كونية بديعة. وفي ظل الاهتمام العالمي المتزايد بالفضاء والفلك، فإن مثل هذه الظواهر تضع المملكة في دائرة الضوء العلمية، إلى جانب مكانتها الروحية المعروفة.
تجربة للمتابعين حول العالم
على الرغم من أن المشهد الأجمل سيُرى من داخل مكة المكرمة، إلا أن فائدته لا تقتصر على من يتواجدون هناك. إذ يمكن للمهتمين من مختلف دول العالم استخدام هذه اللحظة لتحديد اتجاه القبلة بدقة، من خلال مراقبة موقع القمر لحظة التعامد ورسم خط وهمي يصل بينه وبين الأفق. وبهذه الطريقة، تتجسد فائدة عملية مباشرة لظاهرة فلكية نادرة، في خدمة ملايين المسلمين حول العالم.

الخاتمة: حين يلتقي العلم بالإيمان
إن تعامد القمر الأحدب على الكعبة المشرفة ليس مجرد مشهد جميل في سماء مكة، بل هو تذكير بمدى ترابط العلم مع الإيمان، والطبيعة مع الروح. فبينما ينشغل العلماء بحسابات دقيقة تؤكد قوانين الكون وانضباط حركته، يعيش المؤمنون لحظة خشوع وتأمل أمام عظمة الخالق. وهذا التلاقي بين العلم والجمال الروحي يجعل من هذا الحدث الفلكي تجربة إنسانية شاملة، تتجاوز حدود الزمان والمكان.
ومع تكرار هذه الظواهر على مدار الأعوام، تظل كل مرة تحمل في طياتها رهبة خاصة، لتعيد إلى الأذهان أن الكون لا يزال مليئاً بالأسرار والعجائب، وأن بين السماء والأرض رسائل خفية تدعونا للتأمل، والبحث، والتقرب إلى الله.