خاص – السابعة الإخبارية
لا يعتبر كوب الشاي، باختلاف أنواعه وطرق صنعه، مجرد مشروب بل جزءاً من الحياة اليومية للملايين حول العالم، وأيضاً جزء من التاريخ.
ويعتبر الشاي هو المشروب الثاني الأكثر استهلاكاً على الأرض بعد الماء، حتى إنه يجد شهرة في كثير من الثقافات، وفي العديد من المناسبات الاجتماعية المختلفة.
تتعدد ألوانه وبختلف مذاقه، هناك من يشربه بسكر أو بدونه، وهناك من يشربه بحليب أو بدونه، بعض الشعوب تضيف إليه النعناع أو الحبق، وبعض الشعوب تضيف إليه الفلفل والملح، هو مشروب يومي يُلطف النهار ويدفئ الليل.
اعتُبر الشاي من المشروبات اليومية التي يتناولها شعوب العالم دون تمايز عرقي أو ديني أو اقتصادي، فالشاي مشروب رخيص نسبياً، ولا تلحقه محاذير دينية ولا انتقادات اجتماعية، لذا كان من الطبيعي أن يتصدر قائمة المشروبات الساخنة في العالم.
قصة الشاي
حكاية الشاي بدأت مصادفة، وذلك في الألفية الرابعة قبل الميلاد، وتحديداً مع أول شخص تذوقه وهو الإمبراطور الصيني شن توانج، إذ يُعدُّ الشاي اكتشافاً ملوكياً.
فالورقة الخضراء أسرت الإمبراطور من أول وقوع لها بالخطأ في الماء المغلي، مع أزهار الشاي التي كانت تُستخدم في صبغ الأقمشة فبدلت لونه، سريعاً، من الأبيض إلى الذهبي.
وعندما تذوقه استساغ طعمه، وفي نهاية اليوم اكتشف أن لهذا المشروب تأثيراً سحرياً، حيث مده بالسعادة والنشاط، ولعل هذا الاكتشاف الصيني حمل معه الاسم أيضاً، إذ أن الشاي مأخوذ من اللغة الصينية، فهو يسمى «شا».
تاريخ الشاي وفنونه
إذا كان للصينيين الفضل الأول في اكتشاف الشاي، فإن لليابانيين الفضل في أناقة تقديم الشاي، الذي يُشرب في أوانٍ خزفية مفرطة الأناقة.
فطقس الشاي له مساحة في الثقافة الثالثة، إذ تُعدُّ طقوسه من الأهمية بمكان في أن يُجدول ضمن فعاليات اليابان الثقافية التي تقام داخل أو خارج اليابان.
فمع بداية القرن التاسع كان الشاي في اليابان حكراً على الإمبراطور والعائلة المالكة، لكن مع بداية القرن الثاني عشر انتشر تحضير الشاي أو السادو كما في اللغة اليابانية، ودخل المعابد الدينية وتناوله الرهبان ليتمكنوا من اليقظة فترات طويلة يتعبدون خلالها.
ومع هذا الدخول الديني أصبح للسادو طقوس في تحضيره وطريقة تناوله وحتى مكانه، إذ يحضّر الشاي أمام الضيوف، ولعل ذلك يعود إلى ولع اليابانيين بالاستعراض في فنون الطهي وتحضير المشروب ما جعل السادو يُعدُّ طقساً استعراضياً بامتياز وتقليداً متوارثاً.
تقديم الشاي
وتتمثل طقوس تقديم الشاي في نوعين، النوع الأول يسمى “التاتامي” ويحضر الشاي فيها والضيوف جالسون على الحصيرة اليابانية، أما الثاني “الريو ريه” فيحضّر على منضدة مخصصة للإعداد والضيوف حولها.
ويقوم طقس الشاي على أربع قواعد أساس: وهي التناغم، والاحترام، والنقاء، والسكون، فمثلاً تكون حركة ذراع من يقدم الشاي مستقيمة بما يوحي بالاحترام في حضرة الشاي، ويكون ملء أكواب الشاي بأسلوب فريد كأن يُملأ القدح الأول إلى الربع والثاني إلى النصف والثالث إلى ثلاثة أرباع، ثم يعاد ملء القدح الأول والثاني والثالث.
زراعة الشاي
عندما عُرف الشاي وفضله، انتشرت زراعته التي تتطلب طقساً دافئاً وهواءً رطباً وأمطاراً غزيرة وتربة خصبة خفيفة.
بدأت زراعته من موطنه الأصلي شرقي آسيا كالصين مروراً بالهند وسيرلانكا وأندونيسيا.
كما أن شجيرات الشاي لا تبدأ في طرح المحصول إلاّ بعد ثلاث سنوات من زراعته، وتظل خمسين عاماً تطرح المحصول، وربما عمرت بعض شجيرات الشاي إلى ألف سنة.
أنواع الشاي
تتعدد أنواع الشاي بدءاً من الشاي الأبيض وهو من أندر أنواع الشاي وأغلاها ثمناً، فهو يقدم هدية للأباطرة والملوك، كذلك الشاي الأخضر والأسود.
ولعل شاي مقاطعة دارجيلنغ الذي يُقطف بحرص من أعالي جبال الهيملايا في الهند، بأيدى النساء يُعدُّ من أفخر أنواع الشاي، ويعود تاريخ مزارع الشاي فيها إلى منتصف القرن التاسع عشر.
حيث كانت المزارع تتبع التنمية الاقتصادية البريطانية، فكان شاي دارجيلنغ يصدر إلى بريطانيا، ويباع إلى شركات تعبئة الشاي التي تقوم بتغليفه في علب وصناديق جذابة.
غرائب في سيرة الشاي
لعل الشاي الذي نستطعمه يومياً في أوقات مختلفة له من الحكايات الطريفة والغريبة ما يجعل المرء يستلهم من وحيها ثقافة جديدة.
ففي القرن السادس عشر في فرنسا وقفت الكنيسة موقف المعادي من مشروب الشاي، وعدته مفسداً للأخلاق، كذلك كان الحال في بريطانيا.
فإزاء اعتراف الشاعر الإنجليزي بن جونسون 1572-1637م بأنه يشرب الشاي في كل وقت، وإبريق شايه لا يبرد جعل معاصريه يرمونه بفساد الأخلاق، وبفجاجة الاعتراف.
أما في الصين قديماً فقد كان جمع وريقات الشاي يخضع لشروط غريبة، حيث يجب أن تكون جامعات أوراق الشاي فتيات عذراوات صغيرات السن، يتعطرن قبل أن يبدأن في الجمع ويرتدين فساتين مزركشة وجديدة، وقفازات جديدة يومياً.
بينما في الهند في بلاد الحواة والغرائب فقد كان للشاي قصة غريبة تبدأ بكان يا ما كان، وهناك ناسك قرر أن لا ينام مدة سبع سنوات للعبادة المتواصلة، وفي السنة الخامسة داهمه النعاس، ولكي يفرقه قرر أن يمضغ وريقات شجرة كانت بجانبه.
وبعدها أحس بالنشاط الذي جعله يستمر لمدة سنتين في اليقظة، ولقد كانت هذه الشجرة التي بجانبه شجيرة شاي!
الشاي في الوطن العربي
لم يعرف الشاي في الوطن العربي، ولم يذكر في معاجمه إلاّ في القرن العاشر الميلادي، حيث ذكره العالم المسلم أبو الريحان البيروني في كتب رحلاته، بأن الصينيين كانوا يشربون شراباً ذهبياً يسمى الشاي.
ولعل أول ظهور له في المغرب العربي، حسب ما تناقله المؤرخون، كان في القرن الثامن عشر، في عهد السلطان عبدالله بن إسماعيل حيث كان يتلقاه هدية من قبل المبعوثين الأوروبيين.
وفي منتصف القرن التاسع عشر انتشر الشاي الأخضر أو ما يسمى بالأتاي في بلاد المغرب العربي، أما شعوب بقية بلدان الوطن العربي فقد عرفوا الشاي متأخراً كل بحسب جغرافية المكان، فشعب العراق، مثلاً، عرفه من شعب بلاد فارس، ولقد أخذ العراقيون من الفرس اسمه الشاي الذي أسموه “جاي”، واسم القدح الذي يشرب فيه الشاي حيث كان يسمونه “استكانة” أو “بيالة”، ومن شعب العراق عرفت شعوب الدول المجاروة الشاي، الذي غدا فيما بعد جزءاً من تفاصيل الحياة اليومية.
جانب من تسميات الشاي في العالم
شاي الضحى
لقد كان شاي الضحى جزءاً من طقس النساء النهاري في الكويت منذ القدم، فبينما كان الرجال يذهبون في رحلات غوص تستمر أياماً طويلة، كانت جميع النساء في الكويت ربات بيوت.
وكان شاي الضحى قبل صلاة الظهر هو التسلية الوحيدة بالنسبة لهن ومظهراً من مظاهر الترف، حيث كان الشاي الأسود يستورد من الهند في صناديق خشبية منعاً للرطوبة، ويقمن بغليه في الماء مع السكر ما يضفي طعماً حلواً يخفف مرارة فراق الزوج.
شاي كرك
يبدو الاسم غريباً، لكنه في دولة الإمارات العربية المتحدة متداولاً صباحاً ومساء، فشاي الكرك من ألذ المشروبات الساخنة التي أصبحت من المشروبات التقليدية.
وهو عبارة عن الشاي المغلي يضاف إليه الحليب المبخر والسكر، ثم يقومون بغليه إلى أن يصبح لونه كريمياً ضارباً للحمرة.
ولقد نقلوا هذا المشروب من الهنود الذين يسمونه كرك، وقد نقلوه بدورهم من البريطانيين، لكن يقال أن أول من شرب الشاي مضافاً إلى الحليب هي الفرنسية مدام دي سابليه، وذلك في القرن السابع عشر.
شاي كشري
للشاي نكهة شعبية ومزاج مختلف في مصر، فالشاي ذو الأكياس التي تغمس في الماء المغلي وتواكب عصر السرعة، ليس له مكان بين من يحبون الشاي بمزاج لذا كان الشاي الكشري هو المطلوب.
فكثيراً ما تسمع على كراسي المقاهي الشعبية في مصر “شاي كشري”، وهو الشاي المنثور وذو الوريقات السوداء، وسمي “كشري” لأن أوراق الشاي تُخلط مع السكر والماء، ويغلى في وقت واحد إلى أن يعقد ويسود لونه، عندها يكون قادراً على تعديل المزاج.
شاي بالنعناع
في سوريا ولبنان قلما يُشرب الشاي بدون وريقات خضراء طازجة، تزرعها النساء في إصيصات، ونادراً ما يقدم الشاي بدون منكهات عطرية، فالشاي يصاحب الإفطار فهو خير من يساعد على الهضم مع الفول والحمص والجبن، فلا مائدة إفطار شهية بدون شاي بالنعناع.
شاي خفيف
الشاي مزاج ومن لا يفضل الشاي ثقيلاً عاقداً، فمن السهل أن يصنعه بطريقة يفضلها، فيكون الشاي بأي تركيز مع أكياس الشاي الجديدة، التي لا تتطلب أي عناء سوى أن تغمس الكيس في الماء المغلي، وتعد إلى العشرة ثم تخرج الكيس لتحصل على مشروب خفيف يسمى شاياً.
اقرأ أيضاً: https://7news1.com/هذا-ما-يفعله-الشاي-في-جسدك/