الإمارات – السابعة الإخبارية
الذكاء الاصطناعي.. في مشهد يختصر ملامح المستقبل، تحوّل جناح الرعاية الصحية في معرض “جيتكس غلوبال 2025” إلى ساحة عرض مذهلة لابتكارات طبية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تجمع بين العلم والخيال في إطار من الدقة والتقنية الفائقة.
فبين عدسات عين ذكية تقرأ المؤشرات الحيوية للجسم، وتقنيات تعديل الجينات لعلاج الأمراض الوراثية، برزت الإمارات مجدداً كمحطة تجمع أبرز العقول العالمية لعرض أحدث التحولات الرقمية في القطاع الصحي.
تقنية “كريسبر”.. ثورة في الطب الجيني تقودها الخوارزميات
أحد أكثر الأجنحة جذباً للزوار كان جناح شركة “ماموث للعلوم البيولوجية”، التي استعرضت تكنولوجيا “كريسبر” المتكاملة مع الذكاء الاصطناعي.
وقال تريفور مارتن، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للشركة، إن التقنية الحاصلة على جائزة نوبل تمثل أداة ثورية تتيح “التحكم في الوثيقة الجينية” للإنسان وإجراء تعديلات دقيقة عليها.
وأوضح أن العديد من الأمراض الوراثية تنجم عن خطأ واحد في تسلسل الحمض النووي، يمكن لـ“كريسبر” تحديده وتصحيحه، ما يتيح علاج المرض من جذوره، بدلاً من الاكتفاء بعلاج الأعراض كما هو الحال في الطب التقليدي.
وأضاف مارتن أن الذكاء الاصطناعى أصبح جزءاً محورياً في تطوير منظومة “كريسبر”، إذ يساعد على تصميم أنظمة دقيقة يمكن توجيهها إلى مناطق محددة في الخريطة الوراثية (الجينوم) داخل الجسم، لضمان التعديل في المواقع الصحيحة فقط، في عملية تعرف باسم “التحرير الجيني المستهدف”.
وأشار إلى أن الأجيال السابقة من التقنية واجهت بعض القيود مثل صعوبة إيصالها إلى أنسجة الجسم كافة، إلا أن التطور السريع في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات الحيوية مكّن من تجاوز تلك العقبات.
وأكد أن التقنية أسهمت فعلياً في علاج مرض فقر الدم المنجلي (Sickle Cell Disease) لدى عدد من المرضى، ما يبشّر بمرحلة جديدة من الطب الدقيق القائم على تصحيح الجينات بدلاً من استبدالها.
الذكاء الاصطناعى يسرّع اكتشاف الأدوية ويقلل التكاليف
وحول مستقبل استخدام الذكاء الاصطناعى في الطب، قال مارتن إن شركته تركز حالياً على مجالين رئيسيين:
الأول هو اكتشاف الأدوية، من خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع تجارب روبوتية عالية الإنتاجية لإجراء آلاف التجارب اليومية، ما يسهم في تسريع تطوير جزيئات علاجية جديدة وأجسام مضادة متقدمة.
أما المجال الثاني فيتمثل في تحسين كفاءة التجارب السريرية التي تستهلك الجزء الأكبر من تكاليف تطوير الدواء، حيث يسهم الذكاء الاصطناعي في تقييم المخاطر وتحليل البيانات المعقدة بسرعة غير مسبوقة.
وأكد مارتن أن التحول الرقمي في القطاع الصحي بات “مسألة وقت لا خيار”، وأن الذكاء الاصطناعي يمثل “العقل الجديد” للطب الحديث، إذ يعيد تعريف العلاقة بين المريض والعلاج، والطبيب والتشخيص، عبر تقنيات تجمع بين التحليل العميق والتطبيق الفوري.
عدسات ذكية تراقب صحة الإنسان لحظة بلحظة
وفي جناح آخر لفتت الأنظار شركة XPANCEO بعرضها سلسلة من العدسات الذكية المتطورة التي تمثل نقلة نوعية في مفهوم الرعاية الصحية الشخصية.
وقال مؤسس الشركة رومان أكسيلرود إن فريقه طوّر ستة نماذج أولية لعدسات ذكية متعددة الوظائف، أبرزها عدسة قادرة على مراقبة المؤشرات الصحية عبر تحليل سوائل الدموع، وأخرى مزوّدة بحساس خاص لقياس ضغط العين (الجلوكوما) بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
وأشار أكسيلرود إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح “الركيزة الأساسية للطب الوقائي الحديث”، حيث لا يقتصر دوره على التشخيص فحسب، بل يمتد إلى المراقبة المستمرة للحالة الصحية وتوقع التغيرات البيولوجية قبل ظهور الأعراض.
وقال: “لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تحليل، بل أصبح الطبيب المساعد الذي يراقب ويحلل وينصح في الوقت نفسه”.
وأضاف أن الأجهزة القابلة للارتداء مثل الخواتم، والساعات، والعدسات اللاصقة الذكية أحدثت تحولاً جذرياً في علاقة الإنسان بصحته، إذ تقدم بيانات آنية تساعد الأفراد على اتخاذ قرارات صحية واعية وتحسين نمط حياتهم اليومي.
دمج التكنولوجيا بالبيولوجيا.. نحو طب شخصي مستدام
وأوضح أكسيلرود أن شركته تسعى إلى تطوير عدسة ذكية متكاملة تعمل بالذكاء الاصطناعي وتجمع بين الواقع المعزز والرعاية الصحية والتحليلات البيولوجية في آن واحد، لافتاً إلى أن النموذج الوظيفي الكامل سيتم الكشف عنه بحلول نهاية عام 2026.
وأكد أن هذه العدسة “ستمثل بداية عصر جديد من الطب الشخصي”، حيث يمكنها تحليل المؤشرات الحيوية، والتنبيه عند وجود خلل صحي، وتزويد المستخدم بمعلومات مباشرة على سطح العدسة من خلال واجهة رقمية غير مرئية.
الذكاء الاصطناعي.. الطبيب الخفي لعصر ما بعد الرقمنة
يؤكد الخبراء المشاركون في معرض “جيتكس غلوبال 2025” أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية مساعدة، بل أصبح الطبيب الخفي الذي يعيد رسم ملامح مستقبل الرعاية الصحية في العالم.
فمن المختبرات إلى غرف العمليات، ومن المراقبة الحيوية إلى تحليل الجينات، أصبح الذكاء الاصطناعي الرابط الأهم بين البيانات والحياة، وبين الطب والعلم، وبين الإنسان ومستقبله الصحي.
وفي ظل هذا التسارع، تتحول دبي عبر “جيتكس” إلى منصة عالمية لتجسيد رؤى الثورة الطبية القادمة، حيث تتلاقى فيها الخوارزميات والعدسات والجينات في لوحة واحدة عنوانها“الذكاء الاصطناعي لا يعالج المرض فقط.. بل يعيد تعريف مفهوم الصحة ذاتها.”