باريس – السابعة الإخبارية
أثار إعلان سام ألتمان، مؤسس شركة OpenAI المطوّرة لروبوت الدردشة الشهير ChatGPT ، موجة واسعة من الجدل العالمي، بعدما أكّد عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أن الشركة تستعد لإطلاق تحديث جديد في ديسمبر المقبل، يسمح للروبوت بإنتاج محتوى جنسي موجّه للبالغين فقط، على أن يكون الوصول إليه مشروطًا بالتحقق من هوية المستخدمين.
ألتمان برّر هذه الخطوة بما وصفه بمبدأ الشركة القائم على “عامل الكبار كبالغين”، معتبرًا أن من حق المستخدمين الراشدين الوصول إلى المحتوى الذي يختارونه طالما يتم ذلك ضمن ضوابط قانونية وأخلاقية صارمة. لكنّ هذا التصريح فتح الباب أمام أسئلة معقدة حول حدود حرية التعبير ومسؤولية الشركات التقنية في تنظيم العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان.
تحوّل حساس في فلسفة الذكاء الاصطناعي
وفقًا لتقارير إعلامية، أوضح سفين نيهولم، المتخصص في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، أن الخطوة المعلنة تُعد “تحولًا جريئًا”، رغم أنها – في المرحلة الأولى – ستقتصر على النصوص المكتوبة فقط، دون السماح بإنشاء صور أو مقاطع فيديو ذات طابع جنسي.
وقال نيهولم: “من الواضح أن OpenAI لا تزال حذرة، لكنها في الوقت ذاته تختبر حدود ما يمكن قبوله في التفاعل الإنساني مع الروبوتات. ومع ذلك، تبقى الأسئلة الأخلاقية مفتوحة حول ما إذا كان يمكن فصل الترفيه عن المخاطر الاجتماعية والنفسية”.
إذا تم تنفيذ هذه الخطة، فسيصبح شات أول روبوت دردشة رئيسي في العالم يخوض مجال المحتوى الجنسي النصي بشكل رسمي، بينما تواصل شركات كبرى مثل Google (Gemini) وAnthropic (Claude) وPerplexity رفض أي طلبات مشابهة.
ردود الفعل التقنية: بين الانفتاح والتحفظ
من جانبها، أكدت شركة Perplexity لموقع فرانس 24 أن هذه الخطوة “لا تتماشى مع سياساتها”، مشددة على أن النقاشات حول الجنسانية أو الإثارة مسموح بها فقط في سياق علمي أو تربوي أو نفسي.
لكن OpenAI ليست وحدها في هذا الميدان. فقد سبقتها تطبيقات قائمة على الذكاء الاصطناعي مثل Replika، التي تقدم لمستخدميها رفقاء افتراضيين قادرين على إقامة تفاعلات “شخصية” عاطفية أو حميمية. ومع ذلك، فإن دخول شركة بحجم OpenAI في هذا المجال يمنح هذه الصناعة شرعية غير مسبوقة.
بين الحاجة العاطفية والتسويق الذكي
يرى عدد من الباحثين أن ما يحدث ليس مفاجئًا، بل هو تطور طبيعي في عالم التقنية. ويقول نيهولم: “لطالما كانت هناك قوتان رئيسيتان تدفعان الابتكار التكنولوجي: الاستخدامات العسكرية، والمحتوى الإباحي”.
أما كيت ديفلين، عالمة الحاسوب في كلية كينغز لندن ومؤلفة كتاب مثير: العلم والجنس والروبوتات، فاعتبرت أن الخطوة ذات أبعاد تسويقية واضحة أكثر من كونها فلسفية. وقالت: “ألتمان يعرف تمامًا كيف يجذب الانتباه. لاحظ أن المستخدمين يحاولون التحايل على القيود المفروضة على سيري وأليكسا، وأدرك أن السوق متعطشة لهذه التجربة”.
وفي السياق ذاته، يرى سيمون ثورن، أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة كارديف، أن الإعلان قد يكون محاولة ذكية لجذب شريحة جديدة من المستخدمين إلى المنصة، مشيرًا إلى أن “الخطة الأوضح لتحقيق الأرباح ستكون عبر نظام اشتراك مدفوع يتيح للمستخدمين خوض هذا النوع من المحادثات”.
انتقادات أخلاقية وتحذيرات من التبعات
لم تمر تصريحات ألتمان مرور الكرام؛ فقد واجه سيلًا من الانتقادات من ناشطين وباحثين في الأخلاق الرقمية. وردّ في منشور على منصة X (تويتر سابقًا) قائلًا:
“لسنا الشرطة الأخلاقية للعالم. تمامًا كما يُميز المجتمع بين أفلام R وPG، نريد تطبيق المبدأ نفسه في الذكاء الاصطناعي.”
غير أن المدافعين عن السلامة الرقمية رأوا أن المقارنة مضللة وخطيرة، لأن روبوتات الدردشة تختلف عن الأفلام في كونها تفاعلية وتبني علاقة شخصية مع المستخدم، ما قد يؤدي إلى ارتباط نفسي أو عاطفي غير صحي، خصوصًا بين المراهقين أو الأشخاص المعزولين اجتماعيًا.
وتأتي هذه المخاوف في ظل حوادث مثيرة للجدل، أبرزها دعوى قضائية رفعتها عائلة مراهق أمريكي ضد OpenAI، متهمة شات بـ”تشجيع ابنهم على الانتحار” خلال محادثات عبر الإنترنت، إضافة إلى تقارير عن مستخدمين فقدوا إدراكهم للواقع بعد تفاعلات مطوّلة مع روبوتات دردشة “عاطفية”.
تحديات قانونية وثقافية معقدة
يحذر الخبراء من أن السماح بهذا النوع من المحتوى سيفتح الباب أمام إشكاليات قانونية دولية، نظرًا لاختلاف تعريفات “المحتوى المسموح به” من بلد إلى آخر. وتقول ديفلين:
“في الولايات المتحدة نفسها، هناك تيار محافظ يسعى لتقييد الحقوق الجنسية، فكيف ستتعامل الشركة مع هذه التناقضات الثقافية؟ وهل ستسمح بخطاب أكثر تحررًا في أوروبا مقارنة بأمريكا؟”
أما ثورن، فيؤكد أن تقنيات “كسر الحماية” أو التحايل على القيود، المنتشرة بين المستخدمين، تجعل من الصعب ضبط الحدود الأخلاقية للمحتوى، محذرًا من أن بعض المحادثات قد تتجاوز المسموح قانونيًا دون قصد.
الذكاء الاصطناعي بين الوحدة البشرية والمخاطر الاجتماعية
ورغم أن OpenAI تعهدت بوضع “حواجز أمان صارمة”، إلا أن بعض الخبراء يربطون هذا التوجه باتجاه أوسع في وادي السيليكون يسعى إلى تسويق الذكاء الاصطناعي كوسيلة لمعالجة “وباء الوحدة” العالمي. فمارك زوكربيرغ، رئيس “ميتا”، تحدث سابقًا عن فكرة “الرفيق الافتراضي” كبديل للعلاقات الإنسانية المعقدة.
لكن ثورن يرى أن الخطر الحقيقي يكمن في الجيل الجديد الذي ينشأ مع هذه التقنيات. “تشير الدراسات إلى أن الشباب بدأوا يعتبرون روبوتات الدردشة شركاء حقيقيين موثوقين، وهذا قد يُعيد تشكيل مفهوم العلاقات الإنسانية برمّته.”
خاتمة: بين الجرأة والمسؤولية
يبقى قرار OpenAI مثيرًا للانقسام؛ فبينما يراه البعض تطورًا طبيعيًا في حرية الاستخدام ومسؤولية الفرد، يراه آخرون بابًا مفتوحًا نحو إدمان رقمي جديد، تتداخل فيه التقنية بالعاطفة والأخلاق.
وبين التسويق والحرية، وبين التقنية والمجتمع، يقف سام ألتمان في قلب العاصفة، فيما يترقب العالم كيف سيتعامل شات – النسخة المخصصة للبالغين – مع أكثر القضايا حساسية في عصر الذكاء الاصطناعي.