بريطانيا- السابعة الإخبارية
تشارلز.. شهدت مدينة برمنغهام البريطانية نهاية الأسبوع الماضي عاصفة من الجدل السياسي والصحي، بعدما صعد طبيب القلب المعروف أسيم مالهوترا إلى منصة مؤتمر حزب ريفرم، وأدلى بتصريحات ربط فيها بين إصابة الملك تشارلز الثالث بالسرطان وبين تلقيه لقاح كوفيد-19، وهو ما اعتبره خبراء الصحة “ادعاءات خطيرة تفتقر إلى أي سند علمي”.

تصريح مفاجئ يربك المؤتمر
مالك منصة الكلمة لم يكن شخصية حزبية تقليدية، بل طبيبًا مثيرًا للجدل في الأوساط الطبية والإعلامية. إذ قال مالهوترا، وهو مستشار صحي للمرشح الرئاسي الأميركي روبرت كينيدي جونيور المعروف بمواقفه المناهضة للقاحات، إن لقاحات كورونا “قد تكون عاملاً أساسياً” في إصابة بعض أفراد العائلة المالكة بالسرطان. وأكد أن هناك “أطباء آخرين يشاركونه هذا الاعتقاد”، في تلميح صريح إلى وجود صلة بين التطعيم والأمراض الخطيرة.
الجمهور الذي حضر المؤتمر بدا متفاجئًا، حيث أظهرت لقطات انتشرت على وسائل التواصل علامات الدهشة والصمت على وجوه الحضور. وازدادت حدة الجدل بعد أن جاءت هذه الكلمات قبل كلمة زعيم الحزب نايجل فاراج، المعروف بخطابه الشعبوي وقدرته على إثارة النقاشات السياسية الساخنة.
ردود فعل سياسية غاضبة
لم تمر كلمات الطبيب مرور الكرام، إذ سارع سياسيون من مختلف الاتجاهات إلى انتقاد السماح لمثل هذه المزاعم بالظهور في مؤتمر حزبي. واعتبر بعضهم أن ذلك يمثل “توفير منصة لمعلومات مضللة” قد تؤثر سلبًا على ثقة الجمهور بالمنظومة الصحية.
وزير الصحة البريطاني ويس ستريتينغ وصف تصريحات مالهوترا بأنها “تطرف خطير”، مؤكدًا أن نشر مثل هذه الأفكار “يضرب في صميم جهود التوعية الصحية” في وقت تعاني فيه بريطانيا من تراجع نسب التطعيم وعودة أمراض مثل الحصبة التي كانت شبه منقرضة. وأضاف الوزير: “ربط مرض الملك أو أي شخصية عامة باللقاحات أمر مضلل للرأي العام ويجب مواجهته بالتصحيح العلمي المبني على الأدلة”.
الموقف الطبي: العلم يحسم الجدل
في المقابل، خرج عدد من الخبراء والأطباء للتأكيد على أن اللقاحات لا تسبب السرطان ولا تؤثر في الجينات المثبطة للأورام. البروفيسور براين فيرغسون من جامعة كامبريدج قال إن “جميع الدراسات العلمية الموثقة تشير بوضوح إلى أن لقاحات كوفيد، بما فيها المعتمدة على تقنية mRNA، آمنة وفعالة”، موضحًا أنها “أنقذت ملايين الأرواح حول العالم منذ بدء الجائحة”.
وأشار باحثون آخرون إلى أن تكرار هذه المزاعم دون سند علمي لا يؤدي إلا إلى تغذية نظريات المؤامرة وإثارة الخوف بين المواطنين، في وقت تحتاج فيه السلطات الصحية إلى تعزيز الثقة وتشجيع الفئات المترددة على استكمال التطعيمات.

موقف الحزب: حرية تعبير أم مسؤولية سياسية؟
تحت ضغط الجدل، أصدر حزب ريفرم بيانًا عاجلًا أوضح فيه أن تصريحات مالهوترا “تمثل وجهة نظر شخصية” وأن الحزب “لا يتبنى هذا الرأي”، لكنه في الوقت نفسه شدد على إيمانه بـ”حرية التعبير” داخل مؤتمراته.
لكن هذا التوضيح لم ينهِ الجدل، إذ اعتبر منتقدون أن الحزب كان عليه أن يمنع مثل هذه التصريحات من الأساس، لأن إتاحتها على منصة رسمية يمنحها شرعية ضمنية حتى لو أُلحِق بها نفي لاحق. وذهب البعض إلى القول إن الحزب يحاول استغلال الجدل لاستقطاب أصوات المتشككين في اللقاحات، رغم ما قد يسببه ذلك من أضرار للمصلحة العامة.
توقيت حساس للعائلة المالكة
تأتي هذه التصريحات في وقت حساس بالنسبة للعائلة المالكة البريطانية، إذ أعلن في وقت سابق من هذا العام عن إصابة الملك تشارلز الثالث بالسرطان وخضوعه للعلاج، ما أثار تعاطفًا واسعًا داخل وخارج بريطانيا. كما تداولت الصحف مؤخرًا تقارير عن مشاكل صحية واجهتها الأميرة كيت ميدلتون، وهو ما استغلته بعض الأصوات المناهضة للتطعيم لربطها باللقاحات، رغم النفي القاطع والمتكرر من قبل الأطباء.
ما وراء الجدل
القضية برمتها تعكس التحديات المعقدة التي تواجه الصحة العامة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. فمن جهة، تلتزم الحكومات والمؤسسات الطبية بتقديم المعلومات استنادًا إلى العلم والدليل. ومن جهة أخرى، تنتشر بسرعة روايات بديلة قد تبدو لبعض الجمهور أكثر إقناعًا أو جاذبية لأنها تثير الشكوك وتغذي المخاوف.
ويرى محللون أن ما جرى في مؤتمر ريفرم ليس حادثًا عابرًا، بل مؤشر على صراع أوسع بين العلم والسياسة والشعبوية، خاصة مع اقتراب الانتخابات البريطانية وحرص الأحزاب على مخاطبة مختلف شرائح الناخبين.
في النهاية، تظل حقيقة واحدة ثابتة: حتى الآن، لا يوجد أي دليل علمي يربط بين لقاحات كوفيد والسرطان، بل إن كل ما هو متاح من أبحاث يؤكد العكس تمامًا، وهو أن هذه اللقاحات ساهمت في إنقاذ حياة ملايين الأشخاص. ومع ذلك، فإن استمرار مثل هذه المزاعم في التداول يكشف حجم المسؤولية الملقاة على عاتق السياسيين ووسائل الإعلام والأطباء في مواجهة المعلومات المضللة بحزم وشفافية.
