أمريكا – السابعة الإخبارية
جوجل.. في خطوة توصف بأنها نقلة نوعية في عالم الإنترنت، أعلنت شركة جوجل اليوم عن تطوير جذري لمتصفحها الشهير كروم، ليتحول من مجرد أداة لتصفح الويب إلى منصة ذكية استباقية، قادرة على دعم الإنتاجية اليومية للمستخدمين وتعزيز أمنهم الرقمي بشكل غير مسبوق.

متصفح لا يكتفي بالعرض.. بل يفهم ويقترح
منذ إطلاقه قبل أكثر من 15 عامًا، رسّخ متصفح كروم مكانته كأداة أساسية لمئات الملايين حول العالم، لكن التحديث الجديد الذي أعلنت عنه جوجل يفتح فصلًا جديدًا من قصته. فبحسب الشركة، لم يعد الهدف أن يقتصر دور المتصفح على عرض الروابط وصفحات الإنترنت، بل أن يصبح “مساعدًا رقميًا” يفهم ما يقوم به المستخدم ويتنبأ بخطواته التالية.
الخطوة المحورية في هذا التطوير هي دمج مساعد التصفح الذكي “Gemini” مباشرة داخل كروم. هذا الدمج يعني أن المتصفح لن ينتظر أوامر المستخدم فقط، بل سيساعده بشكل نشط عبر أدوات متعددة، منها:
• الإجابة على الأسئلة المباشرة أثناء التصفح.
• شرح المراجع والمصطلحات التي قد تظهر خلال مشاهدة مقاطع الفيديو على YouTube، لتصبح التجربة التعليمية أكثر عمقًا.
• مساعدة المستخدم على العودة للصفحات التي زارها من قبل بسرعة، والعثور على المعلومات المخزنة في ذاكرته الرقمية بسهولة.
شريط العناوين يتحول إلى “عقل رقمي”
من أبرز المزايا التي سلطت جوجل الضوء عليها ما أسمته “تطوير المربع متعدد الاستخدامات”، أو ما يعرف تقليديًا بشريط العناوين. ففي السابق كان دوره الأساسي إدخال الروابط أو كلمات البحث، أما الآن فقد أصبح منصة حوار ذكية، تسمح للمستخدم بطرح أسئلة معقدة ومركبة، ثم متابعتها بأسئلة إضافية مرتبطة بالسياق ذاته.
على سبيل المثال، إذا كان المستخدم يقرأ مقالًا عن الذكاء الاصطناعي، يمكنه أن يكتب في شريط العناوين سؤالًا مثل: “ما التطبيقاتالعملية لهذه التقنية في قطاع الصحة؟”، ليحصل على إجابات فورية مبنية على أفضل المصادر. ليس هذا فقط، بل سيقترح كروم تلقائيًا استفسارات إضافية مرتبطة بالموضوع، ما يجعل عملية البحث أكثر عمقًا وسرعة.
تعزيز الأمان وحماية الخصوصية
لم تقتصر رؤية جوجل الجديدة على تعزيز الإنتاجية، بل شملت أيضًا رفع مستويات الأمان والخصوصية الرقمية. فالتحديث يعتمد على الذكاء الاصطناعي لحماية بيانات اعتماد تسجيل الدخول، ومنع عمليات الاختراق المحتملة لكلمات المرور.
كما سيوفر المتصفح ميزات مبتكرة مثل:
• حظر الإشعارات غير المرغوب فيها من المواقع المزعجة.
• إلغاء الاشتراك التلقائي من المواقع التي تستغل عناوين البريد الإلكتروني لإرسال رسائل مزعجة.
• الكشف الفوري عن البرامج الضارة وتنبيه المستخدم وإزالتها بسرعة فائقة.
وأشارت جوجل إلى أن مستخدمي كروم على نظام أندرويد وحده باتوا يتلقون بفضل هذه التقنيات المتقدمة 3 مليارات إشعار مزعج واحتيالي أقل يوميًا، وهو ما يمثل نقلة نوعية في مجال أمان التصفح عبر الإنترنت.

البداية من الولايات المتحدة.. ثم العالم
وأوضحت الشركة أن وضع الذكاء الاصطناعي الجديد في كروم سيتم إطلاقه بداية في الولايات المتحدة خلال هذا الشهر، باللغة الإنجليزية، على أن يتم توسيع نطاقه تدريجيًا إلى المزيد من الدول واللغات خلال الأسابيع المقبلة. هذه الخطوة تعكس نهج جوجل المعتاد في اختبار مزاياها الجديدة أولًا في السوق الأمريكية، قبل تعميمها عالميًا.
خطوة نحو مستقبل أكثر ذكاءً
تؤكد جوجل أن هدفها من وراء هذه التطويرات هو أن يصبح كروم شريكًا حقيقيًا للمستخدم، يساعده على إنجاز مهامه اليومية بذكاء وسلاسة وأمان، بدلًا من أن يظل مجرد متصفح تقليدي يفتح الصفحات وينفذ الأوامر.
ويرى محللون تقنيون أن هذا التحديث يأتي في إطار سباق الشركات الكبرى لدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها الأساسية. فبينما تسعى مايكروسوفت إلى تعزيز مكانة متصفح “إيدج” عبر دمج تقنيات OpenAI، ترد جوجل بخطوة قوية تجعل من كروم منصة أكثر شمولًا وذكاءً.
هل يغير التصفح إلى الأبد؟
مع هذه التحديثات، قد يتغير شكل التصفح كما اعتدنا عليه لعقود. فالمستخدم لم يعد بحاجة إلى التنقل بين محركات البحث والمواقع المختلفة للحصول على المعلومة، إذ أصبح المتصفح ذاته قادرًا على تقديمها بشكل فوري ومخصص، ما يعني أن تجربة الإنترنت نفسها تتجه نحو مستوى جديد من التفاعل والاستباقية.
ومع أن بعض الخبراء يبدون قلقًا من اعتماد مفرط على الذكاء الاصطناعي داخل المتصفحات، خصوصًا في ما يتعلق بخصوصية البيانات وسلامة المعلومات، فإن جوجل تؤكد أنها ملتزمة بوضع الأمان والشفافية على رأس أولوياتها.
بهذا التطوير، لا تسعى جوجل فقط للحفاظ على مكانة كروم كأكثر المتصفحات استخدامًا في العالم، بل تريد أن تعيد تعريف معنى “التصفح”. ومع دمج “Gemini” وتوسيع قدرات الذكاء الاصطناعي، يصبح المستقبل القريب أشبه بوجود مساعد رقمي شخصي داخل كل جهاز، يرافق المستخدم خطوة بخطوة، ويمزج بين الإنتاجية، السهولة، والأمان في تجربة واحدة متكاملة.
ويبدو أن جوجل تراهن على أن هذا الجيل الجديد من كروم لن يكون مجرد متصفح، بل سيكون البوابة الأذكى لعصر الإنترنت القادم.
