أمريكا – السابعة الاخبارية
جيجي حديد، جيجي حديد الاسم الذي أصبح مرادفًا للأناقة والنجاح في عالم الأزياء، ليست مجرد عارضة أزياء شهيرة ذات حضور طاغٍ على منصات الموضة العالمية، بل هي أيضًا إنسانة واجهت الكثير من الضغوط النفسية والاجتماعية منذ بداياتها. ورغم بريق الأضواء الذي يحيط بها اليوم، فإن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود.
في السنوات الأولى من مسيرتها، واجهت جيجي انتقادات لاذعة وتنمرًا قاسيًا بسبب شكل جسدها، الأمر الذي جعلها تشعر بعبء الشهرة وثقل التوقعات. وفي مقابلة مؤثرة حديثة، عادت حديد لتفتح قلبها أمام الجمهور، متحدثة عن تجربة شخصية مؤلمة عاشتها منذ عقد من الزمن، في أول ظهور لها على منصة عرض “فيكتوريا سيكريت” عام 2015.
جيجي حديد.. العودة إلى البداية: فتاة تحمل حلمًا كبيرًا
ولدت جيجي حديد عام 1995 في لوس أنجلوس، لأب فلسطيني هو محمد حديد، رجل الأعمال المعروف، وأم هولندية الأصل هي يولاندا حديد، التي كانت بدورها عارضة أزياء سابقة. نشأت جيجي في بيئة قريبة من عالم الموضة والفن، لكنها كانت تحلم دائمًا بأن تبني اسمها بجهدها الشخصي، لا بمجرد انتمائها لعائلة مشهورة.
بدأت مسيرتها في عرض الأزياء منذ سن المراهقة، حين وقّعت أول عقد مع وكالة IMG Models عام 2013، لتبدأ بعدها رحلتها الصاعدة بسرعة مذهلة نحو القمة. ومع ذلك، كانت شهرتها المتنامية تجلب معها ضغطًا متزايدًا من الجمهور والإعلام، الذين لم يترددوا في انتقاد أدق تفاصيل مظهرها.
المنصة التي غيّرت حياتها: فيكتوريا سيكريت 2015
تحدثت جيجي في الفيديو الذي نشرته صفحة “فيكتوريا سيكريت” على منصة “إنستغرام” عن مشاعرها العميقة حين تم اختيارها لأول مرة للمشاركة في العرض الشهير عام 2015. قالت وهي تحبس دموعها:
“جرّبت المشاركة مرتين أو ثلاث مرات قبل أن أحصل على الفرصة. عندما اختاروني، شعرت بفخر هائل من أجل تلك الفتاة الصغيرة في داخلي التي كانت تحلم بهذه اللحظة.”
كانت مشاركتها الأولى بمثابة نقلة نوعية في مسيرتها، إذ أصبحت من الوجوه الأكثر طلبًا في عالم الأزياء بعد العرض مباشرة. لكن خلف الكواليس، كانت هناك معاناة خفية، إذ واجهت موجة من التنمر والتعليقات الجارحة حول جسدها، حيث اتهمها البعض بأنها “ممتلئة أكثر من اللازم” مقارنة بالمعايير النحيفة التي كانت سائدة في عالم الأزياء آنذاك.
دموع بعد عشر سنوات: مواجهة الماضي بشجاعة
في الفيديو الأخير، لم تتمالك جيجي دموعها عندما تحدثت عن تلك الفترة، قائلة بتأثر:
“أنظر إلى صوري في تلك الفترة وأفكر كم كان العالم قاسيًا عليها… ليس فقط عليّ، بل على الفتيات عمومًا.”
هذا الاعتراف الصادق كشف عن الجانب الإنساني العميق لعارضة الأزياء التي تبدو دائمًا واثقة ومثالية أمام الكاميرا. بكاؤها لم يكن ضعفًا، بل تعبيرًا عن قوة داخلية ناضجة، وعن وعيٍ بمدى التأثير السلبي الذي قد تتركه كلمات الناس على نفسية أي فتاة، حتى وإن كانت من أشهر نساء العالم.
وأضافت جيجي بابتسامة ممزوجة بالدموع:
“عندما أعود لتلك الصور أقول لنفسي: كنت رائعة! لقد كانت فترة مميزة واستحققت أن أكون هناك.”
كلماتها البسيطة حملت رسالة قوية لكل فتاة تسعى وراء حلمها وسط انتقادات العالم: أن الإيمان بالنفس هو السلاح الأهم في مواجهة القسوة المجتمعية.
بين التوتر والمسؤولية: الجانب الخفي من عروض الأزياء
رغم خبرتها الكبيرة ومكانتها الراسخة في عالم الموضة، اعترفت جيجي بأنها لا تزال تشعر بالتوتر قبل كل عرض. وقالت:
“ما زلت أشعر بالمسؤولية الكبيرة تجاه الفريق الضخم الذي يقف وراء هذا العرض، وأرغب دائمًا في تقديم أفضل ما لدي.”
هذا الشعور المستمر بالتوتر يوضح أن النجاح لا يلغي الخوف، بل يضاعف الإحساس بالمسؤولية. فكل ظهور جديد يعني ضرورة إثبات الذات مجددًا أمام جمهور لا يرحم، وصناعة لا تعرف التوقف عن التقييم والمقارنة.
التنمر في عالم الأزياء: ظاهرة تتجدد
قصة جيجي ليست حالة فردية، بل مرآة لما تتعرض له الكثير من العارضات في هذه الصناعة الصارمة، حيث تُقاس القيمة الجمالية غالبًا بمعايير قاسية. التنمر الجسدي أصبح جزءًا من ضغوط الحياة اليومية في عالم الموضة، سواء من النقاد أو المتابعين عبر الإنترنت.
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، تضاعفت هذه الظاهرة، فأصبح المشاهير يعيشون تحت مجهر دائم، يراقب مظهرهم وتصرفاتهم، وينتقدهم بأقسى العبارات.
جيجي، بحكم شهرتها الواسعة، كانت في مرمى هذا النقد الدائم، لكن قدرتها على تحويل الألم إلى دافع إيجابي جعلت منها نموذجًا يُحتذى به في مواجهة التنمر بثقة وثبات.
دروس في القوة والمرونة النفسية
رحلة جيجي حديد تروي حكاية فتاة واجهت ضغوطًا نفسية وجسدية هائلة، لكنها لم تستسلم. تعلمت أن تحب نفسها كما هي، وأن تتقبل التغيرات الطبيعية في جسدها، خاصة بعد تجربتها في الأمومة.
من خلال تصريحاتها العلنية وتجاربها الصادقة، تحاول اليوم أن تكون مصدر إلهام للفتيات حول العالم. فهي تدعو إلى تقبل الذات، وإلى إعادة تعريف الجمال كتناغم بين الثقة والروح وليس كمقاييس جسدية محددة.
هذه الرسالة أصبحت اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى، في زمن تتزايد فيه الضغوط النفسية الناتجة عن المقارنات الرقمية وصور “المثالية المزيفة” المنتشرة على الإنترنت.
عودة إلى المنصة: فيكتوريا سيكريت 2025
بعد مرور عشر سنوات على ظهورها الأول، تستعد جيجي حديد هذا الشهر للعودة مجددًا إلى منصة عرض “فيكتوريا سيكريت” في نسخته لعام 2025، والمقرر عرضه مباشرة عبر Amazon Prime Video من نيويورك في 15 أكتوبر.
الحدث المرتقب سيشهد مشاركة نجوم كبار مثل ميسي إليوت، ماديسون بير، كارول جي، وفرقة توايس، مما يجعله أحد أبرز عروض الموضة هذا العام.
عودة جيجي بعد عقدٍ من الزمن ليست مجرد مشاركة مهنية، بل رمزٌ للثبات والنضج بعد سنوات من التحديات. فهي الآن تعود أقوى وأكثر وعيًا بذاتها، كأمٍ، وامرأةٍ، ونموذجٍ ناجح استطاع تجاوز السخرية ليصنع مجده الشخصي.
بين الضوء والظل: الوجه الحقيقي للنجاح
النجاح في عالم الأزياء ليس دائمًا كما يبدو على الشاشات. خلف الصور البراقة والكاميرات هناك قصص تعب، ودموع، وضغوط نفسية هائلة.
جيجي حديد تمثل مثالًا واقعيًا على هذا التناقض، إذ عاشت ما بين المجد والتحدي، بين حب الجمهور وانتقاداته.
لكن ما يميزها هو قدرتها على تحويل كل تجربة قاسية إلى خطوة نحو النضج. فاليوم، بعد أكثر من عقد في المهنة، تبدو جيجي أكثر تصالحًا مع ذاتها، وأكثر رغبة في استخدام شهرتها لإيصال رسائل إيجابية حول تمكين النساء وتقدير الذات.
خاتمة: دموع ليست ضعفًا بل قوة
دموع جيجي حديد في حديثها الأخير لم تكن مجرد لحظة انفعال عاطفي، بل كانت إعلانًا رمزيًا عن تحررها من قيود الأحكام المجتمعية.
لقد أثبتت أن القوة الحقيقية لا تكمن في الكمال، بل في القدرة على الاعتراف بالضعف وتجاوزه. وأن الجمال ليس في المقاييس أو الأرقام، بل في الأصالة والصدق.
قصتها تذكرنا بأن خلف كل وجه جميل قصة إنسانية تستحق التقدير، وأن الشهرة مهما كانت لامعة، لا تحمي من الألم الإنساني.
لكن الأجمل أن بعض الدموع قد تكون بداية لولادة جديدة — ولجيجي حديد، يبدو أن هذه الولادة بدأت بالفعل، وهي الآن تعيش فصلاً جديدًا من حياتها مليئًا بالثقة، السلام، والجمال الحقيقي.