أمريكا – السابعة الاخبارية
جيسيكا طويل، في مشهد مؤثر أبكى الملايين حول العالم، نشرت البلوغر اللبنانية-الأميركية جيسيكا طويل مقطع فيديو وثّقت فيه لحظة استثنائية في حياتها؛ لحظة تمكّنها من الوقوف والمشي مجددًا بعد أن قضت عشر سنوات من عمرها مصابة بالشلل النصفي.
لم تكن مجرد خطوات، بل كانت خطوات نحو الحياة، نحو الأمل، نحو الانتصار على الألم والانكسار. وخلال ساعات من نشر المقطع عبر حسابها الرسمي على “تيك توك”، تحوّلت جيسيكا إلى رمز عالمي للإرادة والإصرار، بعد أن تخطى عدد مشاهدات الفيديو 35 مليون مشاهدة خلال أقل من يوم واحد.
جيسيكا طويل.. أولى الخطوات والدموع تسبق الكلمات
ظهر في الفيديو وجه جيسيكا وهي تخطو خطواتها الأولى، خطوات ثقيلة، مليئة بالرهبة، لكنها في الوقت نفسه مشحونة بالأمل والدهشة والانتصار. لم تتمالك نفسها أمام اللحظة، وانهارت باكية، كما لو أنها كانت تحلم بهذه اللحظة طيلة السنوات الماضية، وها هي تتحقق أمام عينيها.
كان يمكن قراءة التوتر في كل حركة، والخوف من السقوط في كل خطوة، ولكن شيئًا أكبر من الخوف كان يدفعها إلى الأمام: رغبتها في أن تحيا كما كانت من قبل، أن تستعيد السيطرة على جسدها، أن تثبت لنفسها أولًا، وللعالم ثانيًا، أنها قادرة على العودة.
جيسيكا طويل: من الألم إلى التأثير
ليست هذه المرة الأولى التي تثير فيها جيسيكا طويل اهتمام الجمهور، فقد باتت معروفة على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة “تيك توك” و”إنستغرام”، من خلال مشاركتها اليومية لتفاصيل حياتها كشابة من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا تخجل من عرض تحدياتها، ولا تتردّد في الحديث عن آلامها، وفي الوقت نفسه، لا تفوّت فرصة للضحك، للمزاح، ولإلهام كل من يشاهدها.
لكن الفيديو الأخير كان مختلفًا تمامًا، لأنه يمثل نقلة نوعية في حياتها الشخصية والطبية والنفسية. فبعد عقد كامل من الاعتماد الكلي على الكرسي المتحرك، استطاعت بفضل جهاز طبي حديث أن تقف مجددًا على قدميها وتسير، ولو ببطء، ولكن بإرادة تفوق كل التوقعات.
حادث غيّر حياتها في سن السادسة عشرة
وُلدت جيسيكا طويل في الولايات المتحدة لأبوين من أصول لبنانية، وبرزت شخصيتها الاجتماعية المنفتحة منذ صغرها. لكن حياتها انقلبت رأسًا على عقب عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها، وتعرضت لحادث سيارة مأساوي أثناء خروجها مع شخص كانت تعتبره صديقًا. الحادث أدى إلى إصابة بالغة في الحبل الشوكي على مستوى الفقرة T6، ما تسبب لها في شلل نصفي دائم من الخصر إلى الأسفل.
كانت لحظة فاصلة في حياتها، بين ما كانت عليه، وما أصبحت عليه. ومنذ ذلك اليوم، بدأت رحلة طويلة من التأقلم مع الواقع الجديد، تخللتها مشاعر من الحزن، الغضب، الإنكار، ثم في نهاية المطاف، القبول.
رحلة الألم والتحوّل إلى قدوة
لم تسمح جيسيكا لنفسها بالبقاء في دور الضحية، بل قررت أن تكون صوتًا حقيقيًا ومؤثرًا لكل من يمرون بتجارب مشابهة. اختارت ألا تُخفي واقعها، بل أن تعرضه للعالم كما هو، بكل ما فيه من صعوبات، تحديات، وخيبات، وأيضًا بكل إنجاز وإن كان بسيطًا.
تحوّلت إلى شخصية ملهمة على الإنترنت، وتابعتها الآلاف من مختلف أنحاء العالم، خاصة من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين وجدوا فيها أختًا، وصديقة، وقدوة، تشاركهم يومياتها دون تزييف أو تصنّع.
التوثيق اليومي.. قوة الكلمة والصورة
جيسيكا لم تكتفِ بمشاركة الصور واللحظات الجميلة، بل وثّقت أيضًا أوقات الضعف والانهيار، لحظات التعب والألم، ساعات العلاج القاسية، والمواقف المحرجة التي تواجهها في الأماكن العامة. كل ذلك لتقول للناس: “نحن موجودون، ولسنا عبئًا على أحد. يمكننا أن نعيش وننجح ونحب ونتألّق.”
وكلما حققت إنجازًا، حتى لو كان بسيطًا في نظر البعض، كانت تحتفل به بكل ما أوتيت من فرح. إنجازاتها لم تكن رياضية أو مالية، بل كانت انتصارات يومية على جسد أنهكه الحادث، وعلى نفس واجهت صدمات متتالية، وعلى مجتمع أحيانًا لا يرحم ولا يتفهّم.
التقنية تمنحها فرصة جديدة
بفضل التطور في عالم الطب والتكنولوجيا، تمكنت جيسيكا من تجربة جهاز جديد مصمّم لمساعدة الأشخاص المصابين بشلل نصفي على الوقوف والمشي. ورغم أن التجربة الأولى كانت محفوفة بالمخاوف، فإنها كانت ناجحة بما يكفي لتعيد إلى جسدها ذاكرة المشي، وإلى روحها لهيب الأمل من جديد.
وأشارت في منشورات لاحقة إلى أنها تأمل أن تكون هذه الخطوة بداية لسلسلة جديدة من التحسّن، سواء عبر العلاج الفيزيائي أو الأجهزة المساعدة، مؤكدة أن الأمل في التحسّن لا ينبغي أن يتلاشى مهما طال الزمن.
تعاطف واسع.. ورسائل دعم من حول العالم
اللحظة المؤثرة التي نشرتها جيسيكا لم تمر مرور الكرام، فقد فاضت التعليقات على الفيديو بآلاف الرسائل من أناس أعربوا عن تأثرهم، إعجابهم، وحتى تأثرهم الشخصي بما شاهدوه. كتب أحدهم: “أبكيتني يا جيسيكا، أنتِ درس في القوة.”، وكتب آخر: “ما فعلتهِ اليوم أعاد لي الأمل في نفسي.”
وتلقّت أيضًا رسائل من مصابين بالشلل، عبّروا فيها عن امتنانهم لما تقدّمه من دعم نفسي لهم، وقال البعض إنهم بدأوا التفكير مجددًا بالعلاج بعد سنوات من اليأس، متأثرين بما شاهدوه.
أكثر من مجرد مؤثرة.. صوت لقضية
اليوم، لم تعد جيسيكا طويل مجرد شابة تشارك حياتها عبر الإنترنت، بل أصبحت صوتًا لقضية إنسانية مهمة، تتعلّق بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وضرورة تمكينهم، وتوفير التكنولوجيا الحديثة لهم، وضمان حياة كريمة تليق بإنسانيتهم.
وفي كل منشور، تؤكد أن قضيتها لا تتعلّق فقط بالقدرة على المشي، بل بالأهم: الكرامة، الحرية، الأمل، والقدرة على الحلم بغدٍ أفضل.
جيسيكا طويل.. وما بعد الخطوة الأولى
في حديثها عن المستقبل، عبّرت جيسيكا عن أملها في أن تتمكن من المشي لمسافات أطول، والمشاركة في حملات توعية ومبادرات لدعم المصابين بإصابات في الحبل الشوكي، والمطالبة بحقهم في الوصول إلى العلاجات المتقدمة دون حواجز مالية أو مجتمعية.
لكنها في الوقت نفسه، لا ترى في المشي غايتها الوحيدة. تقول: “أنا سعيدة بنفسي كما أنا، سواء مشيت أم لا. ما أريده هو أن أعيش بحرية، أن أحب نفسي، وأن ألهم الآخرين ليحبوا أنفسهم رغم كل ما يمرون به.”
رسالة جيسيكا إلى العالم
رسالة جيسيكا طويل، باختصار، هي أن الحياة لا تتوقف عند المحنة، وأن لكل إنسان الحق في أن يحلم، وأن يسعى، وأن يجد من يدعمه في الطريق.
خطواتها القليلة في الفيديو، كانت أكثر من مجرد حركة عضلات، كانت صرخة أمل، إعلان انتصار، ونقطة تحول في حياة شابة قررت أن تحوّل مأساة إلى مصدر إلهام عالمي.