مصر – السابعة الإخبارية
الحاج فوزي.. في مشهدٍ هزّ مشاعر المصريين وأثار موجة غضبٍ عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحوّل مقطع فيديو قصير لا يتجاوز ثوانٍ معدودة إلى قضية رأي عام، بعدما وثّق لحظة سقوط رجل مسن يُدعى الحاج فوزي أمام حافلة للنقل الجماعي في محافظة الدقهلية، إثر مشادة كلامية مع محصل الحافلة (الكمسري)، الذي رفض السماح له بالصعود.
المشهد البسيط في تفاصيله، العميق في دلالاته، فتح الباب واسعًا للنقاش حول غياب الوعي الإنساني في التعامل مع كبار السن، وضرورة إعادة النظر في أساليب إدارة قطاع النقل الجماعي الذي يخدم ملايين المصريين يوميًا.

مشادة تنتهي بمأساة
بدأت القصة، بحسب ما وثّق الفيديو المتداول، حينما حاول الحاج فوزي، وهو في العقد السابع من عمره، الصعود إلى إحدى الحافلات العامة حاملاً أوراقًا وتحاليل طبية تثبت أنه كان عائدًا من زيارةٍ طبية.
وخلال لحظات، نشب خلاف بينه وبين الكمسري الذي بدا في الفيديو رافضًا السماح له بالركوب، لأسبابٍ لم تتضح بعد. وبينما كان الرجل يحاول التمسك بباب الحافلة، تحرك السائق فجأة دون اكتراث، ما أدى إلى سقوطه على وجهه أمام الأتوبيس وسط ذهول المارة.
المشهد الصادم دفع عدداً من المواطنين إلى الإسراع نحوه لمساعدته على النهوض، في حين واصل السائق طريقه، تاركًا خلفه موجة غضبٍ لم تهدأ حتى بعد تدخل الجهات الرسمية.
تفاعل واسع وتحرك عاجل
الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي خلال ساعات، دفع وزارة التضامن الاجتماعي إلى التدخل السريع، حيث أوضح مصدر مسؤول أن فريق التدخل السريع المركزي تواصل فورًا مع الحاج فوزي لبحث احتياجاته الصحية والمعيشية، مؤكدًا أن الوزارة تعتبر ما حدث “تجاوزًا غير مقبول في حق إنسان قبل أن يكون مواطنًا”.
وأشار المصدر إلى أن الوزارة ستقدم للرجل كل أشكال الدعم، سواء الطبي أو الاجتماعي، في إطار حرص الدولة على صون كرامة كبار السن، الذين أفنوا حياتهم في خدمة المجتمع، ويستحقون معاملة إنسانية تليق بعمرهم ومكانتهم.
الشرطة تتحرك والكمسري في قبضة العدالة
في المقابل، أعلنت وزارة الداخلية تحركها السريع في الواقعة، إذ تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط الكمسري وصاحب الحافلة، بعد تحديد هوية المركبة من خلال الفيديوهات التي تداولها المستخدمون.
وأشارت التحقيقات الأولية إلى أن الواقعة وقعت بالفعل في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، وأن الكمسري والسائق يخضعان حالياً للتحقيق بتهمة الإهمال وتعريض حياة مواطن للخطر.
وأكد مصدر أمني أن النيابة العامة أمرت بالتحفظ على المتهمين والتحقيق معهما في ملابسات الحادثة، مشددًا على أن القانون سيأخذ مجراه وأنه لن يُسمح بتكرار مثل هذه التصرفات التي تهدد سلامة الركاب وتهدر كرامة المواطنين.

غضب شعبي ورسائل من القلب
منذ اللحظة الأولى لانتشار الفيديو، تصدّر وسم #الكمسري_والحاج_فوزي قائمة الأكثر تداولاً على موقع “إكس” (تويتر سابقًا)، حيث عبّر آلاف المستخدمين عن غضبهم واستيائهم من غياب الرحمة والضمير الإنساني في الواقعة.
وكتب أحد المستخدمين: “مشهد يخلو من الإنسانية تمامًا.. كيف يتحرك السائق ورجل مسن أمامه؟”، بينما علّق آخر: “الغلطة مشغلطة الكمسري بس، دي أزمة في الأخلاق العامة لازم الدولة تواجهها”.
وتحوّل اسم الحاج فوزي إلى رمزٍ للتعاطف الشعبي، حيث دشن ناشطون حملات تضامن تطالب بتكريمه كمواطن شريف، معتبرين أن الحادثة تمثل جرس إنذار للمجتمع بأكمله حول ضرورة إعادة إحياء قيم الاحترام والرأفة بكبار السن.
أزمة سلوك قبل أن تكون حادثة فردية
وعلى الرغم من سرعة التحرك الحكومي، إلا أن الواقعة فتحت نقاشًا أوسع حول ثقافة التعامل داخل المرافق العامة، وخاصة في وسائل النقل، إذ يرى خبراء الاجتماع أن ما حدث ليس مجرد تصرف فردي، بل انعكاس لمشكلة أعمق تتعلق بانحسار الوعي الأخلاقي لدى بعض العاملين في المهن الخدمية.
ويشير أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، الدكتور محمود كمال، إلى أن الحادثة “تعكس خللاً في منظومة القيم السلوكية اليومية، وليست فقط مشكلة في النقل”. ويضيف: “عندما يغيب الضمير المهني، تصبح أبسط المواقف اختباراً لإنسانيتنا، وهذا ما كشفه مشهد الحاج فوزي بوضوح”.
دعوات لتأهيل العاملين وتشديد الرقابة
طالب ناشطون بضرورة تأهيل الكوادر العاملة في قطاع النقل العام، عبر برامج توعية وتدريب على التعامل الإنساني مع فئات المجتمع المختلفة، خصوصاً كبار السن وذوي الهمم، إلى جانب تشديد الرقابة والعقوبات على كل من يسيء استخدام سلطته أثناء أداء عمله.
وأكدت وزارة التضامن الاجتماعي في بيان لاحق، أنها ستتعاون مع وزارتي النقل والتنمية المحلية لإطلاق مبادرة جديدة لتدريب العاملين في المواصلات العامة على مهارات التواصل واحترام حقوق الركاب، ضمن خطة لتحسين جودة الخدمات العامة وتعزيز الانضباط المهني.

ختام: درس مؤلم ورسالة للمجتمع
حادثة الحاج فوزي، رغم قسوتها، تحولت إلى مرآة عاكسة لواقعٍ يحتاج إلى إصلاحٍ شامل، ليس فقط في البنية التحتية للنقل، بل في البنية الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع.
لقد أثبتت الواقعة أن لحظة واحدة من الإهمال يمكن أن تهزّ ضمير أمة بأكملها، وأن إنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا يبدأ من التفاصيل الصغيرة — من ابتسامةٍ لمسن، أو مساعدةٍ بسيطة لمحتاج، أو احترامٍ لإنسانٍ ضعيف.
ويبقى الأمل أن يكون سقوط الحاج فوزي بداية نهوضٍ جديد لقيم الرحمة والاحترام التي طالما ميّزت الشعب المصري عبر تاريخه الطويل.